العيش مع الذات – الحلقة 4


○ سلسلة العيش مع الذات: [كيف نفهم ذواتنا ونحترم أنفسنا]
الحلقة 4 | حلم الحياة | عبد الفتاح الفريسي
•◇• في القرآن الكريم يقول تعالى: (وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ) [سورة الروم:19] في خضم علاقة الحب والحنين، خصوصا حينما تصبح هذه العلاقة ناضجة متبادلة، يقتنع الطرفان بها، ويفرح العنصران لها. وحينما يكتمل هذا التقارب الروحي والعاطفي بالزواج المرضي، يقع لنا أن ندخل حلم الحياة مع من نحب، من اخترناه باستشارة، ونوينا العيش معه باسخارة .
حلم الحياة هذا يتأسس في العادة على مجموعة من التصورات والطموحات والرغبات التي نربطها بمستقبل، نشترك فيه مع الآخر الغريب الجديد، سواء أكان هو أو هي، الذي شغل بالنا وإحساسنا وفكرنا وقلبنا، من أحببناه، ووددنا ان نشارك معه مشروع الحياة في الزمن المتبقي من الحياة.
هذا الحلم يمكنه أن يكون امتلاك بيت صغير في مدينة بعيدة، نسكن فيه مع صغارنا، وقد يكون حلما نعمل فيه على توفير مال لشراء منزل صغير على شاطئ البحر، نقضي فيه عطلتنا الصيفية، أو نسافر بعيدا في رحلات حول العالم نتعرف من خلالها على الأنفس والآفاق، وعلى أمم ممن معنا
وكيفما كان ذلك الحلم، فإنه سيلخص اعتقادنا الجوهري ويقيننا القلبي، جزءا كبير من روح الأمل وعنصر الثقة اللذين وضعناهما في الآخر المحبوب، حمل كل واحد من المحبيْن الحب طويلا في سويداء قلبه، وتركه ينضج ويكبر ويستوي، عمل على تلميعه، وإعادة تلميعه، خلال ليالي شاهدات، وفي أوقات خالدات غير منتظرة، يستحضر المتعة والابتهاج ويستهدي بحادي الأرواح وهاتف بالمساء والصباح، بكل مودة ورحمة، ليتقاسم روحه وحياته وزمانه، هنا وهناك، مع هذا الآخر، الذي اعتقد فيه وأيقن بلا ريب أنه سيشاركه الأحساس ويتقاسم معه النظرة إلى الكون والحياة والإنسان، ويستقبله في قلبه وقالبه، يبادله بنفس الأحاسيس، ويشاركه الهواجيس، واستثمر صاحبنا حامل هذا الحلم الكثير من الأوهام في أحلامه يسعى إلى تحقيقها، حلم حياة يساعد على تجاوز الحاضر، يساهم في تقبل الصعوبات، وإقالة العقبات، واستشراف المستقبل وصناعة الحياة.
ولكن سرعان ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، تتصدع العلاقة وتذوب المودة، وتنمحي الرحمة، ويفرض الطلاق نفسه، ويحين الفراق، ينهي حلم الحياة مع الاخر، ويقتل معاني القلب الصريع، في عالم التصدع واللاعودة، تصدع وفراق، حنين وشوق لا يعرف معناه.
عندما يكون هذا هو الحال، فإنني أدعو الشخص الذي يجد نفسه على هذا النحو ، محروما من حلمه بالحياة المنسوب من جهة إلى خياله، إلى اتخاذ خطوة رمزية. وذلك بمطالبة الشريك الذي يغادر أو الذي غادر بالفعل أن يكون الفراق بالمعروف والإحسان، وأن يعيد له حلمه في الحياة من خلال شيء ما، يكون مرتبطًا بشكل رمزي بجانب أو شيء من حلم الحياة هذا.
لا شك أن التغاضي والتفهم والفراق بالمعروف يمكن أن يعيد للحياة بهجتها، والدنيا بهجتها، حينما يؤمن الإنسان أن الطلاق ليس نهاية الحياة، وليس شرا، فقد يكون فيه من الخير الشيء الكثير، وفي القرآن الكريم: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم) وهو أمر يمكن للإنسان أن يصل إليه حينما يتحقق بالفهم والبصيرة،
فالله ربما يمتحننا بما صورته العطاء، وربما يكرمنا بما صورته البلاء، فليس كل عطاء خيرا، وليس كل منع شرا، يقول الحكيم ابن عطاء الله: (ربما أعطاك فمنعك، و ربما منعك فأعطاك، و متى فتح لك باب الفهم في المنع صار المنع عين العطاء)
وأذكر في هذا المقام، والشيء بالشيء يذكر قصة سيدة من معارفي فارقه زوجها وعانت الأمرين من ذلك، ولم تتمكن من تحقيق حلم إنجاب طفل مع طليقها، وحينما تزوجت مرة أخرى، لم تتمكن من إنجاب طفل على الرغم من كل المحاولات الطبية، واستمر الأمر على هذا الحال ست سنوات، كانت كلها مراجعات ومتابعات قضائية مع الطليق، وما يتبعها من القلق وشد الحبل، ولكنها في يوم من الايام وبعد تدخل احد العقلاء الحكماء قرر الطليقان السابقان اتخاذ خطوة رمزية، بتقبل الامر، والاعتذار والتسامح .. واستأنف حلم السيدة بالحياة ، والغريب أنه بعد شهر فقط من قرارها، حملت المرأة بمولود مع الزوج الجديد، كانت فرحتها كبيرة، لم تفهم ما حدث، لكن كان لديها انطباع بارتياح كبير عندما منحت طليقها ما يستحق من العفو والغفران والسلام، وأخرجت من قلبها كل معاني الكره والحقد والأنا، وهكذا يتغير الحال بتغير الإنسان، حين تنعكس المشاعر الإيجابية على حياة المرء وحياته.
يبدو لي، من خلال استعادة حلم الحياة بهذه الطريقة، أن المرء يمكنه أن يستعيد كل إبداعاته كما هي، ويمكنه أيضا التصالح مع جزء عميق من نفسه، والحب ليس امتلاك طرف لطرف، ولكنه علاقة تسمح لنا أن نحلم مع من نحب، بأحلام بعضنا البعض -يتبع-