الحكمة: 6


 لما كانت الغاية من الدعاء إنما هي حصول المراد، نبّه ابن عطاء الله السكندري هنا إلى خطورة استعجال ثمرته إبّان الدعاء، والإلحاح في ذلك، وينسى هذا الإنسان المستعجل أن الله الحي القيوم على مصالح عباده قد جعل لكل شيء أجلا محددا ووقتا معلوما في علمه سبحانه، تتحقق به مصلحة الناس وسعادتهم، قال تعالى: "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستعجلون".

يقول ابن عطاء الله السكندري : "لا يَكُنْ تأَخُّرُ أَمَدِ العَطاءِ مَعَ الإلْحاحِ في الدُّعاءِ مُوْجِباً لِيأْسِكَ. فَهُوَ ضَمِنَ لَكَ الإِجابةَ فيما يَخْتارُهُ لَكَ لا فيما تَخْتارُهُ لِنَفْسِكَ. وَفي الوَقْتِ الَّذي يُريدُ لا فِي الوَقْتِ الَّذي تُرْيدُ"، والإلحاح فى شىء ما هو: تكرره على وجه واحد، والدعاء هو: طلب مصحوب بأدب فى بساط العبودية لجناب الربوبية والموجب للشىء ما كان أصلا فى وجوده، و اليأس قطع المطامع.

والمؤمن يتعلق قلبه بمسألة يرجوها أو حاجة يرغب فيها ولكنه يتأدب في ذلك مع القدر والقضاء ويرجع فيه إلى وعد الله وعلمه، وهو حين يدعو يجعل دعاءه عبودية خالصة لا يخرمها عدم تحقق مطلوبه، أو تأخر مرغوبه، فهو يحمل همّ الدعاء وليس همّ الإجابة، لإن دوره أن يتقرب إلى ويدعو بما يعتقد صلاحه، ويترك لربه الإجابة لما يعلمه في ذلك.

و قد يمنعك لطفاً بك لكون ذلك المطلب لا يليق بك و يؤخر لك ذلك لدار الكرامة و البقاء و هو خيرا لك و ابقى، والمؤمن لا ييأس من مطلوبه أبدا، لأن الله طلب منا الدعاء أزلا، وضمن لنا الإجابة، ولكن الإجابة قد تتأخر عن وقتها وقد لا تتحقق رحمة بالإنسان المعروف بعجزه عن معرفة مصالحه، وفقه أموره قال تعالى: "وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة" القصص

وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن كل دعوة يدعو بها المؤمن فهي مستجابة ولكن بإحدى ثلاث طرق، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا . قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ . قَالَ : اللهُ أَكْثَرُ ).

وختاما  الشيخ عبد العزيز المهدوي رضى الله عنه : "من لم يكن فى دعائه تاركاً لاختياره، راضياً باختيار الحق تعالى له، فهو مستدرج ممن قيل له اقضوا حاجته فإنى أكره أن أسمع صوته، فإن كان مع اختيار الحق تعالى لا مع اختياره لنفسه كان مجاباً و إن لم يعط ، والأعمال بخواتمها".