العيش مع الذات – الحلقة 2


العيش مع الذات:
كيف نفهم أنفسنا؟ ونحترم ذواتنا

العدد: 2 | الخوف والرغبة | عبد الفتاح الفريسي
قلما نكتشف أن وراء كل خوف نعيشه في حياتنا رغبة شديدة غائرة تناسبه قوة، وتواتيه مقدارا، هذا التأكيد القاطع والمبسط، إلى حد ما، يمكنه إرباك الكثيرين، وهو إرباك يمكنه أن يتلاشى بمجرد أخذ الوقت الكافي للاستماع إلى ما يخفى وراء غابة معظم مخاوفنا، وسنتوصل بلا شك إلى حقيقة مفادها أن العديد من رغباتنا تعمل في أعماقنا بقوة ناعمة، وهي مع ذلك كله لا تجرؤ على التعبير عن نفسها بشكل واضح، أو تحديد حقيقتها كما ينبغي.
فإذا كان أحدهم مثلا خائفًا من أن يصاب بمرض عضال كالسرطان، أو الكوفيد 19 ، فمعنى ذلك أنه يحرص على أن يعيش قريبا ممن يحب، ويرغب في أن يبقى دوما قريبا منهم.
وإذا كان يخشى من أن يفارقه من محبوبه، فهذا بالتأكيد تعبير على مدى ارتياحه للمحبوب ويريد أن يستمر في حبه والقرب منه.
وإذا كان خائفًا أن يطرده مدير عمله من وظيفته، فلربما يكون ذلك بسبب رغبته في المحافظة على مصدر رزقه وسبب راحته.
هذه الأمثلة القليلة كافية للدلالة على أن الاعتراف برغبة المرء التي توجد في اعماقه والتعبير عنها هو أكثر ديناميكية من أن يترك نفسه مسجونا في مخاوفه، يجترها ويفرضها باستمرار على نفسه وعلى من حوله.
وقد يوجد العديد من المخاوف في أعماقنا لا ينتبه إليها أحد، مخاوف ليست في حقيقتها إلا أقنعة لمخاوف أخرى هي أشد وأقوى، وهي تعبير بطرف خفي عن رغبات أكثر عمقا وأشد انتشارا وتناقضا في نفس الوقت، يجد المرء صعوبة في مقاومتها، ووضع حد لها ولجبروتها، والاعتراف بها.
فالخوف من الظلام مثلا قد يكون في حقيقته خوفا من تخيلات نتخيلها، وأمور نتصورها، تبرز لنا أكثر في عالم الظلمة، فعند بعض الأطفال يخفي الخوف من الظلام الرغبة في النوم في أحضان الوالدين، والاطمئنان إلى محيطهما، والخوف من اللصوص عند المراهقين يمكنه أن يرتبط بالقلق من الضياع والحاجة إلى الحنان.
¤ وختاما لا بد من القول بناء على ما سبق إني أعتقد أننا مطالبون اليوم أن ننصت بكل وعي إلى دواخلنا، ونتتبع رغباتنا الدفينة المختفية وراء المخاوف الظاهرة، وأن نمتلك الجرأة على احترامها، وتفهم غاياتها ومقاصدها، ونتعايش مع تحدياتها ومطالبها وهِناتها، وحينئذ إن لم يستطع المرء التكيف مع رغبات الآخر، والقدرة على الحضور في عالمها، وإحدات ما يمكن من التفاعل ، فإنه ينجح في التعبير بصدق على التكيف الطبيعي مع إمكانيات ذاته.
ونختم هذه الحلقة بالحكمة التي تقول: (عندما لا تتمكن من التكيف مع رغبات الأخر، فإنك تتكيف في الحقيقة مع إمكانياتك الخاصة).
--يتبع -