العيش مع الذات – الحلقة 3


سلسلة العيش مع الذات ¤ كيف نفهم ونحترم أنفسنا
الحلقة 3 | الحاجة قبل الرغبة | عبد الفتاح الفريسي
•◇• في ترتيب الأولويات نجد الحاجة تسبق الرغبة، تولد قبلها، ومن خلال إشباع حاجاتنا الأساسية من مطعم ودفء وحماية يمكن المحافظة على بقائنا، والإلحاح الفطري لكل واحد من بني الإنسان يكمن في الاستجابة المناسبة والمكيفة لاحتياجاتنا الحيوية التي نخصص لها أوقاتنا وحيزا كبيرا من حياتنا، تأتي بعد ذلك الرغبة لتشتعل بسرعة حينما يتم استرضاء المطالب التي يفرضها البقاء وقانون الحياة.
الرغبة تبرز من النقص والاحتياج، من الفراغ، من العدم، وتبرز بعد ذلك من الجاذبية، من حركة تدفعنا، تقودنا وأحيانا تدفعنا إلى الآخر. نحو آخر الذي يملك ما لا نملك، يملك نورا يضيء كياننا، يفكر بطريقة توازي طريقتنا، وذبذبة تنسم مع ذبذبتنا.
الرغبة قوة دفع تبحث عن طاقة مفقودة، إنها كانفجار داخل النفس قبل أن تكون انفجارا خارجها، بدونها يكون الكائن الحي أقرب إلى الميت، الذي لهم قلب لا يعقل به، وأذن لا يسمع بها، وعين لا يبصر بها، لا حركة له ولا سكون، مفعول به وليسوا فاعلا، خمول ولا نبض، فاقد لكل رغبة.
أحيانا تتحكم فينا رغباتنا في سد احتياجاتنا والاستجابة لحالاتنا الطارئة، ونستجيب لدوافعها القوية، القادرة القاهرة، التي تطمس كل شيء يقف في وجهها.
غير أنه وفي بعض الأحيان تنفرنا بعض رغباتنا، وتتحكم فينا، في آن واحد، وفي مفارقة عجيبة، ونعمل على خدمة جهة ما مخاطرين بالتضحية باحتياجاتنا العميقة، التي تستحق أن يكون لها أولوية قي حياتنا، في الوقت الذي يجب أن تكون هي في خدمتنا، وفي جاهزية للسعي إلى تحقيق إمكانياتنا، وإنجاز احتياجاتنا.
بعض علاقات الصداقة والمحبة بين الناس تتأسس حول مبدإ الحاجة، ومع ذلك يمكنها أن تعيش طويلا، في تناغم وسلام تام من علاقات أخرى، قد تتأسس على النقيض من ذلك، على أساس الرغبة فقط، وهي بذلك تختار طريقا فوضويا، أكثر عشوائية وأكثر خطورة.
قد يحدث ايضا أن احتياجا يأخذ صورة رغبة ينتظر منها التحقق في الواقع، وقد رأيت كثيرا من صور الرغبات هي في الأصل تعبير عن حاجة دفينة في نفس صاحبها، ومن ذلك أن أحدهم يحكي أنه رأى في محل تجاري يعرض قطعا أثرية ومصنوعات ذات قيمة للبيع، وبالصدفة اطلع على قطعة أثرية عبارة عن خنجر مصنوع بمعدن بديع، وطريقة في النقش باهرة، والغريب أن صاحبنا هذا قليلا ما يمر بالشارع الذي يوجد فيه المحل، ورعان ما انتبه الرجل إلى كون المحل التجاري مغلقا، وحاول في الأيام اللاحقة ولمرات عديدة الاتصال بالمحل ليقتني الخنجر دون كلل ولا ملل، وفي يوم من الايام، أحس الرجل بشيء غريب في نفسه يدفعه إلى شراء الخنجر، وكم كانت فرحته عارمة حينما وجد في يوم ما المحل مفتوحا، غير انها كانت فرحة غير مكتملة، فقد اختفت البضاعة من على رفوف السلع المعروضة، وبغير تردد سأل الرجل عن السبب وراء ذلك، فأخبره بأنه حصل وعد ببيع القطعة إلى رجل ابدى رغبة فيها، وطلب أجلا لا يتعدى اسبوعا.
وبعد أسبوع تمكن صاحبنا من شراء السلعة، واقتناء الخنجر بعد أن امتنع مشتريه الأول عن شرائه.
ولم تنته القصة هنا، فالأمر الغريب أن صاحبنا وبعد عشر سنوات اكتشف حينما أراد تغيير القيامة بصيانة الخنجر وصل معدنه، أنه كان في ملكية جده، علم ذلك من خلال وجود اسم الجد في طرف داخل قطعة معدنية داخلية، وحينما سأل صاحبنا والده عن ذلك أجابه بأن القطعة ماكانت لأبيه باعها حينما إصابته ضائقة مالية فعن طريق رغبته الملحة استطاع الرجل أن يصل إلى القطعة ذات القيمة، ومن خلالها استطاع أن يستجيب لحاجة قوية في نفسه في التواصل مع أصوله.
ولا أحب أن افترق الا على حكمة تقول: (سواء كنت قريبا او بعيدا سأعيش دائما في أفراح رغباتي، أعرفك بكونك حيا .. وهذا يكفيني)