أمير المؤمنين، جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى المجلس العلمي الأعلى بشأن إحياء ذكرى مرور خمسة عشر قرنا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم

وجه أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، رسالة سامية إلى المجلس العلمي الأعلى بشأن إحياء ذكرى مرور خمسة عشر قرنا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم .

وفي ما يلي نص الرسالة الملكية السامية، التي تلاها بالرباط يومه الاثنين 22 ربيع الأول 1447هـ الموافق لـ 15 سبتمبر 2025م، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق :
” الحمد لله رب العالمين، والصـلاة والسـلام علـى الرسـول الأميـن، وعلـى آلـه وصحابتـه الأكرميـن.

السيـد الأميـن العـام للمجلـس العلمـي الأعلـى،

يسعدنا أن نبلغكم أننا، من موقع ما أناطه الله بنا من حماية الدين بمقتضى إمارة المؤمنين، قد قررنا أن نوجه إليكم هذه الرسالة في موضوع ما ينبغي أن يقوم به العلماء، في ربوع مملكتنا الشريفة، برسم إحياء المناسبة الجليلة التي تحل بالعالم هذه السنة، ألا وهي ذكرى مرور خمسة عشر قرنا على ميلاد جدنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، وهو المبعوث رحمة للعالمين.

حيث يتعين على مجلسكم القيام لهذه الغاية بأنشطة علمية وإعلامية تكون في المستوى الذي يثلج صدرنا وصدر المغاربة، وهم جميعا على المحبة الأكيدة الصادقة للجناب النبوي المنيف، وبهذا الصدد نود الإشارة عليكم بمحاور تندرج في هذا الاتجاه:

أولا: إلقاء الدروس والمحاضرات وتنظيم الندوات العلمية في المجالس والمدارس والجامعات والفضاءات العامة، والقيام بالتواصل الإعلامي الرصين للتذكير والمزيد من التعريف بالسيرة النبوية الغراء وذلك بأسلوب يناسب العصر ويمس عقول الشباب خاصة، مع التركيز على أن أعظم ما جاء به صلى الله عليه وسلم، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، هو دين التوحيد، وهذا الإحياء مناسبة سانحة للعلماء لكي يُبيِّنوا للناس أن الترجمة الأخلاقية للتوحيد، في عصرنا، والتي يمكن أن يفهمها الجميع، هي تربية الأجيال على التحرر في حياتهم الفردية والجماعية من الأنانية؛

ثانيا: القيام بأنشطة مماثلة، على نطاق واسع، شكرا لله تعالى على أن جعل إمامة هذا البلد من ذريته صلى الله عليه وسلم، حافظة لعهده، جارية على سُنَنِه، خادمة وحامية لما نزل عليه من الهدي وما شخّصه من الشمائل بمثاله وإسوته؛

ثالثا: القيام بما يناسب المقام شكرا لله تعالى على ما هدانا إليه في مقام وراثة إمارة المؤمنين، الأمر الذي أهّلنا للحرص على توفير الشروط المثلى لأفراد أمتنا حتى يقوموا بكل ما يرضي الله من رعاية شئون الدين الذي جاء به جدنا النبي الأكرم، سواء على سبيل العبادة أو على سبيل غرس مكارم الأخلاق في نفوس المؤمنين والمؤمنات؛

رابعا: التعريف بجهودنا الخاصة وجهود ملوك دولتنا العلوية الشريفة في العناية بتركة النبوة، ولاسيما في ما يتعلق بالحديث الشريف، وبهذا الصدد يجدر بمجلسكم إصدار نشرة علمية لكتاب السلطان سيدي محمد بن عبد الله “الفتوحات الإلهية في أحاديث خير البرية “؛

خامسا: التعريف بما برّز فيه المغاربة من العناية بالأَمانات التي بُعث من أجلها الرسول صلى الله عليه وسلم، كما جاءت في قوله تعالى: ﴿ هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة﴾، فعناية الأمة المغربية بأُولى هذه الأمانات مما يثير إعجاب العالم، ألا وهي عناية المغاربة الفائقة الخاصة بالقرآن الكريم، حفظا وتجويدا وتفسيرا؛

سادسا: التذكير بما برّز فيه المغاربة من العناية بثانية أمانات الرسول الأعظم وهي التزكية، وذلك من خلال ما نبت في أرض المغرب عبر العصور من مؤسسات التربية الروحية المسماة بطرق التصوف، ومعلوم أن الجوهر الذي تقوم عليه تربيتها هو محبة الرسول الذي تنتهي إليه أسانيد هذه الطرق في الدخول على الله من باب الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في إخلاص العبودية لله؛

سابعا: تعريف عموم الناس بما أجاد فيه المغاربة من صياغة غرر المديح النبوي تعبيرا عن تمجيد الرسول الأكرم في المجالس الخاصة والعامة، إغناء للفطرة السليمة وغذاء للوجدان واستمدادا من روحانيته المحمدية عبر فن السماع؛

ثامنا: إظهار ما برز فيه المغاربة من صياغة الصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم، من مثال ” ذخيرة المحتاج ” للشيخ المعطى الشرقاوي، وقبله كتاب “دلائل الخيرات ” للإمام الجزولي، هذه الصلوات التي كانت في القرن الخامس عشر الميلادي شعار المغاربة في

جهادهم لتحرير الأراضي المحتلة، ولطالما تعلق المغاربة بالرسول صلى الله عليه وسلم في أوقات الشدة، كما وقع في السياق الذي ألف فيه أبو العباس العزفي في القرن السابع الهجري كتابه “الدر المنظم في مولد النبي المعظم”؛

تاسعا: أن يقوم مجلسكم بالإعداد العلمي اللائق لنشرة محقَّقة لكتاب القاضي عياض الذي عنوانه ” كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى “، وهو كتاب السيرة النبوية الذي اشتهر به المغرب في العالم قبل الاشتهار بكتاب ” دلائل الخيرات “؛

عاشرا: توجيه الناس، لاسيما في هذه الذكرى المجيدة، إلى أن يكثروا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم امتثالا لقوله تعالى ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾، وأن تقوم المجالس العلمية بإقامة مجالس
حافلة للصلاة على النبي، مجالس يحضرها القيمون الدينيون وطوائف الذاكرين وعموم الناس وأن يصحب هذه الصلوات التوجه إلى الله تعالى بنية طلبه سبحانه بأن يديم أمنه وأفضاله على بلدنا وأن يمتع شخصنا وأسرتنا بالصحة والعافية التامة وحسن الختام.
هذا ونهيب بكم، من جهة أخرى، للحرص على أن تشركوا في فعاليات إحيائكم هذا وبرامجه رعايانا المغاربة في الخارج، وذلك عبر المجلس العلمي المغربي لأوروبا وغيره من المؤسسات، وعلى نفس المنوال عليكم أن تشركوا إخواننا في البلدان الإفريقية، ولاسيما عبر “مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة”.

وفي الختام، نسأل الله العلي القدير أن يزيدنا وينفعنا على الدوام بمحبة نبيه وآله وصحبه الكرام، إنه سميع مجيب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.

بث الرسالة الملكية السامية يتلوها السيد أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية

ذكرى مرور خمسة عشر قرنا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم

أمير المؤمنين، جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى المجلس العلمي الأعلى بشأن إحياء ذكرى مرور خمسة عشر قرنا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم

الإثنين 15 سبتمبر 2025

أمير المؤمنين، جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى المجلس العلمي الأعلى بشأن إحياء ذكرى مرور خمسة عشر قرنا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم

وجه أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، رسالة سامية إلى المجلس العلمي الأعلى بشأن إحياء ذكرى مرور خمسة عشر قرنا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم .

وفي ما يلي نص الرسالة الملكية السامية، التي تلاها بالرباط يومه الاثنين 22 ربيع الأول 1447هـ الموافق لـ 15 سبتمبر 2025م، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق :

” الحمد لله رب العالمين، والصـلاة والسـلام علـى الرسـول الأميـن، وعلـى آلـه وصحابتـه الأكرميـن.

السيـد الأميـن العـام للمجلـس العلمـي الأعلـى،

يسعدنا أن نبلغكم أننا، من موقع ما أناطه الله بنا من حماية الدين بمقتضى إمارة المؤمنين، قد قررنا أن نوجه إليكم هذه الرسالة في موضوع ما ينبغي أن يقوم به العلماء، في ربوع مملكتنا الشريفة، برسم إحياء المناسبة الجليلة التي تحل بالعالم هذه السنة، ألا وهي ذكرى مرور خمسة عشر قرنا على ميلاد جدنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، وهو المبعوث رحمة للعالمين.

حيث يتعين على مجلسكم القيام لهذه الغاية بأنشطة علمية وإعلامية تكون في المستوى الذي يثلج صدرنا وصدر المغاربة، وهم جميعا على المحبة الأكيدة الصادقة للجناب النبوي المنيف، وبهذا الصدد نود الإشارة عليكم بمحاور تندرج في هذا الاتجاه:

أولا: إلقاء الدروس والمحاضرات وتنظيم الندوات العلمية في المجالس والمدارس والجامعات والفضاءات العامة، والقيام بالتواصل الإعلامي الرصين للتذكير والمزيد من التعريف بالسيرة النبوية الغراء وذلك بأسلوب يناسب العصر ويمس عقول الشباب خاصة، مع التركيز على أن أعظم ما جاء به صلى الله عليه وسلم، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، هو دين التوحيد، وهذا الإحياء مناسبة سانحة للعلماء لكي يُبيِّنوا للناس أن الترجمة الأخلاقية للتوحيد، في عصرنا، والتي يمكن أن يفهمها الجميع، هي تربية الأجيال على التحرر في حياتهم الفردية والجماعية من الأنانية؛

ثانيا: القيام بأنشطة مماثلة، على نطاق واسع، شكرا لله تعالى على أن جعل إمامة هذا البلد من ذريته صلى الله عليه وسلم، حافظة لعهده، جارية على سُنَنِه، خادمة وحامية لما نزل عليه من الهدي وما شخّصه من الشمائل بمثاله وإسوته؛

ثالثا: القيام بما يناسب المقام شكرا لله تعالى على ما هدانا إليه في مقام وراثة إمارة المؤمنين، الأمر الذي أهّلنا للحرص على توفير الشروط المثلى لأفراد أمتنا حتى يقوموا بكل ما يرضي الله من رعاية شئون الدين الذي جاء به جدنا النبي الأكرم، سواء على سبيل العبادة أو على سبيل غرس مكارم الأخلاق في نفوس المؤمنين والمؤمنات؛

رابعا: التعريف بجهودنا الخاصة وجهود ملوك دولتنا العلوية الشريفة في العناية بتركة النبوة، ولاسيما في ما يتعلق بالحديث الشريف، وبهذا الصدد يجدر بمجلسكم إصدار نشرة علمية لكتاب السلطان سيدي محمد بن عبد الله “الفتوحات الإلهية في أحاديث خير البرية “؛

خامسا: التعريف بما برّز فيه المغاربة من العناية بالأَمانات التي بُعث من أجلها الرسول صلى الله عليه وسلم، كما جاءت في قوله تعالى: ﴿ هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة﴾، فعناية الأمة المغربية بأُولى هذه الأمانات مما يثير إعجاب العالم، ألا وهي عناية المغاربة الفائقة الخاصة بالقرآن الكريم، حفظا وتجويدا وتفسيرا؛

سادسا: التذكير بما برّز فيه المغاربة من العناية بثانية أمانات الرسول الأعظم وهي التزكية، وذلك من خلال ما نبت في أرض المغرب عبر العصور من مؤسسات التربية الروحية المسماة بطرق التصوف، ومعلوم أن الجوهر الذي تقوم عليه تربيتها هو محبة الرسول الذي تنتهي إليه أسانيد هذه الطرق في الدخول على الله من باب الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في إخلاص العبودية لله؛

سابعا: تعريف عموم الناس بما أجاد فيه المغاربة من صياغة غرر المديح النبوي تعبيرا عن تمجيد الرسول الأكرم في المجالس الخاصة والعامة، إغناء للفطرة السليمة وغذاء للوجدان واستمدادا من روحانيته المحمدية عبر فن السماع؛

ثامنا: إظهار ما برز فيه المغاربة من صياغة الصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم، من مثال ” ذخيرة المحتاج ” للشيخ المعطى الشرقاوي، وقبله كتاب “دلائل الخيرات ” للإمام الجزولي، هذه الصلوات التي كانت في القرن الخامس عشر الميلادي شعار المغاربة في جهادهم لتحرير الأراضي المحتلة، ولطالما تعلق المغاربة بالرسول صلى الله عليه وسلم في أوقات الشدة، كما وقع في السياق الذي ألف فيه أبو العباس العزفي في القرن السابع الهجري كتابه “الدر المنظم في مولد النبي المعظم”؛

كاتب مصري: فتوى الزكاة دعوة ملكية لتعزيز قيم التكافل والعدالة الاجتماعية

قال الكاتب المصري هاني ضوة إن الزكاة ليست مجرد فريضة مالية تقليدية، بل ركيزة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز قيم التكافل في المجتمعات المسلمة، وأضاف أن الزكاة تمثل وسيلة عملية لتوزيع الثروة على نحو عادل، بما يسهم في دعم الفئات الأكثر احتياجًا والحد من مظاهر الفقر والتهميش.

وأشار عضو المركز الإعلامي بدار الإفتاء المصرية، وعضو اللجنة التنفيذية لمنصة الحوار والتعاون بين القيادات والمؤسسات الدينية المتنوعة في العالم العربي، في مقال توصلت به هسبريس، إلى أن فهم أحكام الزكاة وتطبيقها بدقة لم يعد ترفًا فقهيًا، بل ضرورة دينية واجتماعية لضمان استقرار المجتمعات وتماسكها، خاصة في ظل ما يشهده العالم من تحولات اقتصادية وتطورات سريعة في أنماط الكسب والمعاملات المالية.

وأشار ضوة إلى أن دعوة الملك محمد السادس باعتباره أميراً للمؤمنين للمجلس العلمي الأعلى من أجل إعداد فتوى شاملة بشأن الزكاة على الدخل الحديث تمثل خطوة ذات بعد إستراتيجي، إذ تهدف إلى ربط القيم الإسلامية بواقع الحياة المعاصرة، واعتبر أن هذه الدعوة الملكية تعكس وعيًا عميقًا بأهمية تفعيل الزكاة كممارسة حية تتجاوز الإطار النظري، لتصبح أداة عملية تسهم في تحقيق التوازن بين الأفراد والمجتمع، مشددًا على أن الفتوى المرتقبة من شأنها أن توفّر للمواطنين مرجعية شرعية دقيقة تعينهم على أداء الزكاة بما يتلاءم مع تعقيدات الاقتصاد الحديث.

وأوضح الكاتب أن من شأن الفتوى أن توضح المسائل الفنية المتعلقة بالنصاب والمقادير وأوقات الإخراج، ما يعيد الثقة في المرجعيات الدينية الرسمية ويقلّص من تأثير الاجتهادات الفردية والمعلومات المغلوطة المنتشرة على المنصات الرقمية، مشيرًا إلى أن تفعيل الزكاة على هذا النحو يعزز الدور التوجيهي للمؤسسات الدينية، ويُسهم في بناء وعي مجتمعي متماسك حول أدوار العبادات في خدمة المصالح العامة.

كما أكد ضوة أن تنظيم الزكاة من خلال مؤسسات رسمية أثبت نجاعته في بعض الدول العربية، مشيرًا إلى التجربة المصرية، حيث يشرف “بيت الزكاة والصدقات” على عملية جمع الزكاة وتوزيعها تحت إشراف شيخ الأزهر، بما يضمن وصول المساعدات إلى مستحقيها الفعليين، ويتيح تمويل مشاريع تنموية لتحسين معيشة الفقراء، وأبرز أن هذه التجربة يمكن أن تلهم المغرب في مساعيه لتقنين الزكاة وإدارتها بآليات مؤسسية فعالة.

وأضاف الكاتب المصري أن نجاح هذه الخطوة يتوقف على مدى وعي المواطنين واستعدادهم للامتثال للتوجيهات الجديدة، إضافة إلى كفاءة الجهات المعنية في وضع أنظمة شفافة وعادلة لجمع الموارد وتوزيعها؛ كما أكد أهمية الدور الذي يمكن أن تؤديه وسائل الإعلام والمجتمع المدني في مواكبة هذه المبادرة بالتوعية والتعبئة المجتمعية.

وقال صاحب المقال إن الزكاة بهذا المفهوم تصبح أكثر من مجرد التزام ديني، بل تتحول إلى أداة فعالة لإعادة هيكلة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية على أسس من العدالة والتضامن، لافتا إلى أنها تسهم في تنشيط الاقتصاد المحلي بأسلوب أخلاقي ومسؤول، وتبرهن في الوقت ذاته على مرونة الشريعة الإسلامية وقدرتها على مواكبة التحولات، من دون التفريط في ثوابتها.

واعتبر ضوة أن دعوة الملك محمد السادس تأتي في سياق رمزي خاص، إذ تتزامن مع الاحتفاء بالذكرى الـ1500 لميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ما يضفي على المبادرة بعدًا روحيًا وتربويًا، متابعا بأن الربط بين هذه الذكرى التاريخية وإحياء فريضة الزكاة يعكس رؤية متكاملة توظّف الدين في خدمة القيم المجتمعية والاقتصادية الراهنة.

وفي ختام مقاله أكد الكاتب المصري أن الفتوى المنتظرة ليست مجرد معالجة فقهية لقضية تقليدية، بل تمثل تحولًا في مسار تفعيل الزكاة في المغرب، بوصفها أداة إصلاح اقتصادي واجتماعي، ودعا المواطنين إلى التفاعل الإيجابي مع هذه الرؤية من خلال الالتزام الواعي بالزكاة والمشاركة في بناء مجتمع أكثر توازنًا وعدالة.

تأثير القرآن الكريم

خَلَق اللَّهُ سبحانه الخَلْقَ، وأمرهم بعبادتِه، وبَعَث إليهم رُسُلَه رحمةً بهم، وأنزل مع كلِّ واحدٍ منهم كتاباً لكمال الحُجَّة والبيان، قال سبحانه: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾، وخَصَّ سبحانه القرآنَ الكريمَ من بين سائرِ الكتب بالتَّفضيل، جُمِعت فيه محاسنُ ما قبله، وزاده من الكمالات ما ليس في غيره؛ فكان شاهداً وأميناً وحاكماً عليها كلِّها، فكلُّ كتابٍ يشهد القرآنُ بصِدْقِه فهو كتابُ اللَّه، قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾.

لم يُنزَّل من السَّماء كتابٌ أهدى منه، وهو أحسنُ الأحاديثِ المُنَزَّلة من عند اللَّه ﴿‌اللَّهُ ‌نَزَّلَ ‌أَحْسَنَ ‌الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثَانِيَ﴾، وقد مَنَّ اللَّهُ على رسولِه به فقال: ﴿وَلَقَدْ آتَيْناكَ ‌سَبْعاً ‌مِنَ ‌الْمَثانِي ‌وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾، وجعله شرفاً له ﴿‌وَإِنَّهُ ‌لَذِكْرٌ ‌لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾، قال شيخ الإسلام رحمه الله: «أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم كِتَابُ اللَّهِ»، وهو شَرَفٌ لِمَنِ اتَّبَعَهُ وعَمِلَ به من هذه الأُمَّة، قال عز وجل: ﴿‌لَقَدْ ‌أَنْزَلْنَا ‌إِلَيْكُمْ ‌كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾.

وَصَفه اللَّهُ بأنَّه مجيدٌ وكريمٌ وعزيزٌ، وتحَدَّى الخَلْقَ بأن يأتوا بمِثْلِه، أو بمِثْلِ عَشْرِ سُوَرٍ منه، أو بمِثْلِ سورةٍ منه؛ فصاحتُه وبلاغتُه ونَظْمُه وأسلوبُه أمرٌ عجيبٌ بديعٌ خارقٌ للعادة، أعجزت الفُصَحاءَ والبُلَغاءَ معارضَتُه، فإنَّه ليس من جنس الشِّعر ولا الرَّجَز، ولا الخَطابة ولا الرَّسائل، ولا نَظْمُه نَظْمُ شيءٍ من كلام النَّاس عَرَبِهم وعَجَمِهم، آياتُه جَمَعت بين الجَزالة والسَّلاسة، والقوَّة والعُذوبة، سَمِعَه فُصَحاء العرب وبُلغاؤهم وأربابُ البيان فيهم فأقرُّوا بتفرُّدِه، قال الوليد بن المُغِيرة – وهو من سادات الكفَّار البُلغاء -: «وَاللَّهِ مَا فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالأَشْعَارِ مِنِّي، وَلَا أَعْلَمُ بَرَجَزٍ وَلَا بِقَصِيدَةٍ مِنِّي، وَلَا بِأَشْعَارِ الجِنِّ، وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئاً مِنْ هَذَا».
ومع إعجازه سَهَّل اللَّهُ على الخَلْقِ تلاوتَه، ويَسَّر معناه؛ ﴿وَلَقَدْ ‌يَسَّرْنَا ‌الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾، قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: «لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ يَسَّرَهُ عَلَى لِسَانِ الآدَمِيِّينَ، مَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ مِنَ الخَلْقِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامِ اللَّهِ».

والإعجازُ في معناه أعظمُ وأكثرُ من الإعجازِ في لَفْظِه، قال شيخ الإسلام رحمه الله: «جَمِيعُ عُقَلَاءِ الأُمَمِ عَاجِزُونَ عَنِ الإِتْيَانِ بِمِثْلِ مَعَانِيهِ، أَعْظَمَ مِنْ عَجْزِ العَرَبِ عَنِ الإِتْيَانِ بِمِثْلِ لَفْظِهِ».

القرآنُ قولٌ فَصْلٌ مُشتَمِلٌ على قواعد الدِّين والدُّنيا والآخرة، فيه العقائدُ، والأحكامُ والتَّشريعاتُ، والأخلاقُ والقَصَصُ، والأخبارُ والمواعظُ، وأُسُسُ السَّعادة والفلاحِ، قال عنه سبحانه: ﴿هَذَا هُدىً﴾.

آياتُه مُحْكَمةُ الألفاظ مُفَصَّلةُ المعاني، فآيةٌ واحدةٌ فيه بيَّنت الحكمةَ من خَلْقِ الثَّقلَيْن؛ ﴿وَما ‌خَلَقْتُ ‌الْجِنَّ ‌وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، وجزءٌ من آيةٍ أَصَّلت الدِّين؛ ﴿‌وَاعْبُدُوا ‌اللَّهَ ‌وَلا ‌تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً﴾، وثلاثُ كلماتٍ مَنِ استجاب لها سَعِد في الدُّنيا والآخرة؛ ﴿وَأَطِيعُوا ‌اللَّهَ ‌وَالرَّسُولَ﴾، قال ابن القيِّم رحمه الله: «لَيْسَ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ كِتَابٌ مُتَضَمِّنٌ لِلْبَرَاهِينِ وَالآيَاتِ عَلَى المَطَالِبِ العَالِيَةِ مِثْلَ القُرْآنِ».

لا تَفْنى عجائبُه، ولا يُحاط بمعجزاتِه ممَّا في آياتِه وسُوَرِه، فآيةُ الكرسيِّ أَفْضَلُ آيةٍ في كتابِ اللَّهِ تَحْفَظُ العبدَ، و«لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرَبُهُ شَيْطَانٌ حَتَّى يُصْبِحَ» (رواه البخاري)، و«مَنْ قَرَأَهَا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ» (رواه النسائي)، و«مَنْ قَرَأَ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ – أَيْ: مِنَ الشَّرِّ -» (متفق عليه)، وثلاثُ آياتٍ إذا قالها العبدُ قال اللَّهُ: «حَمَدَنِي عَبْدِي، وَأَثْنَى عَلَيَّ، ومَجَّدَني؛ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾» (رواه مسلم)، و«مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ» (رواه مسلم).

وسورةُ الفاتحة أعظمُ سورةٍ فيه (رواه البخاري)، قال شيخ الإسلام رحمه الله: «تَأَمَّلْتُ أَنْفَعَ الدُّعَاءِ فَإِذَا هُوَ سُؤَالُ العَوْنِ عَلَى مَرْضَاتِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الفَاتِحَةِ فِي ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾»، وسورتان قصيرتان أُنْزِلت لَيْلاً لم يُرَ مثلُهنَّ قطُّ – أي: في التَّعويذ من شَرِّ الأشرار -؛ ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾، و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ (رواه مسلم).

وآياتُه شفاءٌ من الأسقام، قال أبو سعيد الخدريُّ رضي الله عنه: «نَزَلْنَا مَنْزِلاً، فَأَتَتْنَا امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّ سَيِّدَ الحَيِّ سَلِيمٌ لُدِغَ، فَهَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؟ فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مِنَّا، فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ فَبَرَأَ» (متفق عليه)، قال ابن القيِّم رحمه الله: «كُنْتُ أُعَالِجُ نَفْسِي بِالفَاتِحَةِ، فَأَرَى لَهَا تَأْثِيراً عَجِيباً، فَكُنْتُ أَصِفُ ذَلِكَ لِمَنْ يَشْتَكِي أَلَماً، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَبْرَأُ سَرِيعاً».

آياتُه أبكت السَّادةَ العظماء؛ كان أبو بكر رضي الله عنه إذا صَلَّى لم يُسْمِعِ النَّاسَ من البكاء، وصَلَّى عمرُ بن الخطَّاب رضي الله عنه مرَّة الصُّبحَ في أصحابِه فسُمِع نَشِيجُه من آخر الصُّفوف وهو يقرأ سورة يوسف: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.

وإذا قَرَع القرآنُ السَّمع سَرَى إلى القلوب فأبكاها خشوعاً، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لابن مسعودٍ رضي الله عنه: «اقْرَأْ عَلَيَّ القُرْآنَ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي، فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيداً﴾، رَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ» (متفق عليه)، وقرأ جعفرُ بن أبي طالب رضي الله عنه صَدْراً من سورة مريم على النَّجاشيِّ فبَكَى حتى أخضَلَ لِحيَتَه – أي: ابتلَّت -، وبَكَتْ أساقِفَتُه – أي: رؤساء الدِّين منهم – حتى أخضَلُوا مصاحفَهم (رواه أحمد).

القرآنُ المجيدُ يأخذ بالألبابِ، وهو أقوى سبيلٍ للدَّعوة إلى الإسلام، قالت عائشة رضي الله عنها: «ابْتَنَى أَبُو بَكْرٍ قَبْلَ الهِجْرَةِ مَسْجِداً بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَقِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً، لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ: فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا – أَيْ: يُخْرِجُهُمْ مِنْ دِينِهِمْ إِلَى دِينِهِ -» (رواه البخاري).

وسَمِعَ جُبَيْر بنُ مُطْعِم رضي الله عنه رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطُّور فلمَّا بَلَغ: ﴿أَمْ ‌خُلِقُوا ‌مِنْ ‌غَيْرِ ‌شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾ قال: «كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ» (رواه البخاري).

واستمعتِ الجِنُّ للقرآن فآمنوا، واغتبطوا، وقالوا مُتحدِّثين بنعمةِ اللَّه عليهم: ﴿‌وَأَنَّا ‌لَمَّا ‌سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ﴾.

ولو أنزل اللَّهُ القرآن على جبلٍ لتَذَلَّل وتَصَدَّع من خَشْيةِ اللَّه؛ حَذَراً من أنْ لا يُؤَدِّيَ حَقَّ اللَّهِ عز وجل في تعظيم القُرآنِ، فأَمَرَ اللَّهُ النَّاسَ أنْ يأخذوه بالخَشْيةِ الشَّديدةِ والتَّخشُّعِ.

آياتُه بَدَّلت أحوالَ الصَّحابة رضي الله عنهم؛ لمَّا نزل تحريم الخمر، وسَمِع عمرُ رضي الله عنه قولَه تعالى: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنْتَهُونَ﴾ قَالَ: «انْتَهَيْنَا، انْتَهَيْنَا» (رواه أحمد)، و«هَرَقُوهَا حَتَّى جَرَتْ فِي سِكَكِ المَدِينَةِ» (متفق عليه)، وحين نزلت: ﴿‌لَنْ ‌تَنالُوا ‌الْبِرَّ﴾ أي: الجَنَّة ﴿حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ قال أبو طلحة رضي الله عنه: «إِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ» (متفق عليه).

وآيةٌ ثبَّتَت الصَّحابةَ رضي الله عنهم في أشدِّ مصيبةٍ نزلت بهم؛ حين توفِّي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأنكر بعضُهم موتَه لهَوْلِ ما سمعوا؛ تلا أبو بكر رضي الله عنه قولَ اللَّهِ تعالى: ﴿‌وَمَا ‌مُحَمَّدٌ ‌إِلَّا ‌رَسُولٌ ‌قَدْ ‌خَلَتْ ‌مِنْ ‌قَبْلِهِ ‌الرُّسُلُ ‌أَفَإِنْ ‌مَاتَ ‌أَوْ ‌قُتِلَ ‌انْقَلَبْتُمْ ‌عَلى ‌أَعْقابِكُمْ﴾، قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: «وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ إِلَّا حِينَ تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَلَمْ تَسْمَعْ بَشَراً إِلَّا يَتْلُوهَا» (رواه البخاري).

ولمَّا نزلت آيةُ السِّتر والعفاف ﴿وَلْيَضْرِبْنَ ‌بِخُمُرِهِنَّ ‌عَلى جُيُوبِهِنَّ﴾ قالت عائشةُ رضي الله عنها: «يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ، شَقَقْنَ مُرُوطَهُنَّ – أَيْ: أَكْسِيَةً لَهُنَّ- فَاخْتَمَرْنَ بِهَا» (رواه البخاري).

آياتُه تزيد في الإيمان ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ ‌عَلَيْهِمْ ‌آيَاتُهُ ‌زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾، ولمنزلة القرآن عند اللَّه أجرُ تلاوتِه بعدد الحروف؛ بل مضاعفة، قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا» (رواه الترمذي).

ولِمَا في القرآن من الكنوز العظيمة حَرَصَ الصَّحابةُ أن لا يفوتهم شيءٌ منه إذا نَزَل، قال عمرُ رضي الله عنه: «كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ يَنْزِلُ يَوْماً، وَأَنْزِلُ يَوْماً، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ اليَوْمِ مِنَ الوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ» (رواه البخاري).

وأهلُ الكتاب القائمون بمقتضاه يفرحون بالقرآن لِمَا في كُتُبِهم من الشَّواهد على صِدْقِه والبِشارة به؛ قال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ‌يَفْرَحُونَ ‌بِمَا ‌أُنْزِلَ ‌إِلَيْكَ﴾.

كتابٌ مُعجِزٌ جَعَله سبحانه آيةً على صِدْقِ نُبُوَّةِ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، لا يزول بموته؛ بل باقٍ إلى يوم القيامة، وإذا استمرَّ المُعْجِزُ كَثُرَ الأتباعُ، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْياً أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعاً يَوْمَ القِيَامَةِ» (متفق عليه).

وتكفَّل سبحانه بحِفْظِ هذه المعجزة فلا تُحَرَّف ولا تزول، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ في خُطبته: «أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، وَقَالَ: وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَاباً لَا يَغْسِلُهُ المَاءُ» (رواه مسلم)، قال النَّوويُّ رحمه الله: «مَعْنَاهُ مَحْفٌوظٌ فِي الصُّدُورِ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الذَّهَابُ؛ بَلْ يَبْقَى عَلَى مَرِّ الأَزْمَانِ».

وكان الصَّحابة رضي الله عنهم إذا تذكَّروا انقطاعَ الوَحْيِ بعد وفاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بَكَوْا، قال أبو بكر لعمرَ رضي الله عنهما: «انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَزُورُهَا، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ، فَقَالَا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: مَا أَبْكِي أَنْ لَا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ؛ فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى البُكَاءِ، فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ مَعَهَا» (رواه مسلم).

ولعُلُوِّ القرآن أعلى اللَّهُ أهلَه إلى المراتب العالية، والمنازل الرَّفيعة، وعَظَّم حُرْمَتَهم، وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ القُرَّاء ويَأْتَمِنُهم ويحزن لموتهم، وقَنَتَ على مَنْ قتلهم شهراً، ولم يَقْنُت على أحدٍ زمناً طويلاً إلَّا على مَنِ اعتدى عليهم.

وسار الخلفاء الرَّاشدون على توقير أهلِ القرآن وإجلالِهم ومعرفةِ قَدْرِهم، فكان عمر رضي الله عنه يُدْنِيهم منه ويُقَدِّمهم في مَجْلِسه ويجعلهم أهلَ مَشُورَتِه، قال القرطبيُّ رحمه الله: «تَظَاهَرَتْ الرِّوَايَاتُ بِأَنَّ الأَئِمَّةَ الأَرْبَعَةَ جَمَعُوا القُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَأَجْلِ سَبْقِهِمْ إِلَى الإِسْلَامِ وَإِعْظَامِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم لَهُمْ».

واللَّهُ لم يُنْزِلْ كتاباً من السَّماء فيما أَنْزَلَ من الكُتُبِ المُتعدِّدةِ على أنبيائِه، أَكْمَلَ ولا أَشْمَلَ ولا أَفْصَحَ ولا أَعْظَمَ ولا أَشْرَفَ من القرآن، وهو من فَضْلِ اللَّه ورحمتِه على العباد، مَنْ فَرِح به وبالإسلام فقد فَرِح بأعظم مفروحٍ به، وهما خَيْرٌ مِمَّا يُجْمَعُ مِنْ حُطَامِ الدُّنيا، وأموالِها وكنوزِها؛ ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾، ومَنْ أحبَّ القرآن فقد أحبَّ اللَّهَ، قال ابن القيِّم رحمه الله: «وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ مَا عِنْدَكَ وَعِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ، فَانْظُرْ مَحَبَّةَ القُرْآنِ مِنْ قَلْبِكَ، وَالتِذَاذَكَ بِسَمَاعِهِ».

فالسَّعيدُ مَنْ صَرَف هِمَّتَه إلى تعلُّم القرآن وتعليمه، والمُوَفَّقُ مَنْ اصطفاه اللَّه لتعظيمه وتعظيم أهلِه والتَّذكيرِ به.

أعوذ باللَّه من الشَّيطان الرَّجيم

﴿وَهَذَا ذِكْرٌ ‌مُبارَكٌ ‌أَنْزَلْناهُ ‌أَفَأَنْتُمْ ‌لَهُ ‌مُنْكِرُونَ﴾.

وختاما:

فمَنْ أراد الهدايةَ فعليه بالقرآن، ومَنْ أراد الانتفاعَ به فليجمع قَلْبَه عند تلاوتِه وسماعِه، وليستشعر كلامَ اللَّه إليه؛ فإنَّه خطابٌ منه للعبيد على لسان رسولِه، وليس شيءٌ أنفعَ للعبد في معاشِه ومعادِه وأقربَ إلى نجاتِه من تلاوةِ القرآن، ومَنْ تدبَّر القرآنَ طالباً منه الهُدَى تبيَّن له طريقُ الحقِّ.

د. عبد المحسن القاسم