مفاتيح التعامل مع القرآن الكريم

نعني بمفاتيح التعامل مع القرآن الكريم، مجموعة الأدوات التي نعتبرها ضرورية للتعرف على حقيقة القرآن الكريم واستبصار معانيه واسراره، واستخراج كنوزه الداعية إلى كل خير.
وتعتبر هذه المفاتيح أساساً لحسن فهم المعاني القرآنية واستبصارها، وتمهيداً منهجيا في التعامل مع القرآن الكريم
وها نحن نعمل على تتبع المفاتيح المنهجية في التعامل مع القرآن الكريم وجعلها في متناول المؤمنين وجمهور الباحثين من أهل القرآن والباحثين عن كنوزه، ليتعرفوا عليها، ويقفوا على معالمها*:
1- إعداد النفس إعدادا روحيا يتأهل به قارئ القرآن لدخول عالم النص القرآني، لتقبل الهداية القرآنية وتجليات القرآن وفيوضاته.
2- أن يتم النظر إلى القرآن الكريم باعتباره منظومة متكاملة وكتابة هداية شاملة للدنيا والآخرة، ومنهاج حياة شامل، يجمع بين الرباني والواقعية.
3- أن يتم التركيز على الهدف العملي الواقعي للقرآن الكريم، عبر استبصار معالم التغيير من خلال معانيه الداعية إلى كل خير.
4- استحضار قيمة النص القرآني، باعتباره كلام الله، والحق المطلق والصدق اللامتناهي، والخير الجليل والهدى العظيم.
5- معايشة إيحاءات النص وظلاله ولطائفه، وملاحظة غنى النصوص بالمعاني والدلالات الشاملة في معانيها، العظيمة في توجيهاته وايحاءاته.
6- ان نجعل من سياق الزمان والمكان طريقا معينا لفهم النص القرآني لا هدفا في حد ذاته، ومعنى ذلك أن نعمل على تحرير النصوص القرآنية، لنفهمها في سياق عام صالح لكل زمان ومكان.
7- استشعار أن النص القرآني رسالة إلى الإنسان والمجتمع، بل هو رسالة إلى الكون كله، يقول الإمام الغزالي رحمه الله في الإحياء (التخصيص هو أن يقدر أنه المقصود بكل خطاب في القرآن، فإن سمع أمرًا أو نهيًا قدر أنه المأمور أو المنهي، وإن سمع وعدًا أو وعيدًا فكمثل ذلك، وإن سمع قصص الأولين والأنبياء علم أن السمع غير مقصود، بل المقصود العبرة والعظة ومضاعفة الإنتاج الإيماني.
8- حسن التلقي عن القرآن، وذلك باستحضار وسائل الفهم وأدوات التدبر، وتطهير النفس من الموانع والحجب، وعلى المسلم أن يدرك أن فهم القرآن، إنما هو من نعم الله عليه وهو من فتوحات الله عليه.
9- تسجيل الخواطر والمعاني لحظة ورودها؛ لأن لذة هذه الخواطر قد تزول بمجرد مغادرة الإنسان لعالم القرآن وانشغاله بالدنيا، بينما لو سجلها سيشعر بسعادة غامرة لذا يجب أن يجعلها كنزًا من كنوزه الثمينة.
10- التمكن من أساسيات علوم التفسير، وهذا شرط لابد منه لتكون استنتاجات القارئ صحيحة، واستدلالاته مقبولة، ونظراته صائبة، وتدبره في القرآن علمي منهجي، ونتائجه يقينية قاطعة.
11- الاستعانة بالمعارف والثقافات الحديثة، وهذا لا يتعارض مع فكرة دخول عالم القرآن متجردًا من الأفكار السابقة؛ لأن الخلفية الثقافية للقارئ وسيلة نافعة للتعامل مع القرآن.
12- العودة المتجددة للآيات والزيادة في معانيها، حتى يكتشف في كل زيارة الشيء المفيد الذي لم يكتشفه سابقًا حتى ليظن كل مرة أنها أول مرة يقرأ فيها القرآن.
13- ملاحظة الشخصية المستقلة للسورة والتعامل معها على أنها وحدة موضوعية كاملة متجانسة، وهذا لا يعني عدم وجود وحدة موضوعية بين كل القرآن.
14- متابعة الاستعمال القرآني للمصطلح الواحد، وهذا دليل على إبداع اللغة العربية.
هذه كانت بعض مفاتيح التعامل مع القرآن، أسال الله أن ينفعنا الله وإياكم بها.
____هوامش________
* ننصح بمراجعة كتب في الموضوع
– (كيف نتعامل مع القرآن) للشيخ محمد الغزالي رحمه الله
– (كيف نتعامل مع القرآن العظيم) للدكتور يوسف القرضاوي
– (مفاتيح للتعامل مع القرآن) للدكتور صالح عبد الفتاح الخالدي،

كتاب جديد يكشف جانبا من “الإبداع المغربي” في قراءة القرآن الكريم

صورة للإبداع المغربي في علوم القرآن الكريم يكشفها إصدار جديد للباحث المغربي عبد الفتاح الفريسي، معنون بـ”نظم البارع في قراءة نافع”.

وصدر هذا الكتاب الجديد عن مطبعة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة بالقاهرة، في 105 صفحات، ويكشف جانبا من جوانب “الإبداع المغربي”، وفق ورقته التعريفية، ويسهِم في “التعريف بالشخصية المغربية” و”مساهمة المغاربة في خدمة القرآن الكريم”.

وهذا العمل دراسة وتحقيق لنظم الإمام ابن آجروم المغربي الصنهاجي المتوفى سنة 723 للهجرة، ورام به مؤلفه التعريف بأصول قراءة الإمام نافع المدني المتوفى سنة 169 للهجرة؛ وهي قراء اعتنى بها المغاربة وألفوا فيها المؤلفات، حتى أضحت ثابتا من ثوابتهم، وأصلا من أصولهم.

وجرى الاهتمام المغربي بهذه القراءة نظرا لكونها “قراءة أهل المدينة المنورة، وبها قرأ إمام المدينة وفقيهها مالك بن أنس، وعظم بذلك اهتمام المغاربة بها، وصنّفوا فيها التصانيف وحققوا أصولها واعتنوا بأسانيدها وألّفوا فيها التواليف العديدة”.

وتبرز أهمية هذا المؤلف في تعريفه بجانب من جوانب شخصية موسوعية مثل الإمام ابن آجروم، المعروف بكونه عالما نحويا اشتهرت مقدمته في النحو المعروفة بالآجرومية، غير أن الكثيرين لا يعرفون إبداعه في علوم القراءات والتجويد.

في هذا السياق يكتب الفريسي: “لقد ظلت أرجوزة «البارع في أصل مقرإ نافع» منذ زمن بعيد في حكم ما فقد من التراث، لا يعلم بوجودها إلا القليل من أهل الاختصاص، حتى يسّر الله لنا اليوم سبل الوقوف عليها، ووفّقنا لخدمتها بضبطٍ صحيح حميد، وتحليتها بشيء من التعليق المختصر المفيد، يميط اللثام عن مظهر من مظاهر الإمامة والنبوغ عند الإمام ابن آجروم الصنهاجي، ويوقِفنا على بعض معالم الحذق والتفوق في مدرسته القرائية، وعلى بُعد جديد ومكوّن مجهول في شخصية ابن آجروم المعرفية والعلمية؛ وأعني بذلك البعد القرائي والحضور الأدائي، ولو لم تكن لهذا البحث إلا هذه المزية لكفته فخرا وفضلا”.

ويزيد الباحث مبرزا أهمية هذا المنشور الجديد: “المؤلف ذو أهمية بالغة، وقيمة معرفية وعلمية كبيرة، جاءت محمّلة بالفوائد المفهمة، والدقائق البارعة، ناهيك عما امتازت به من حسن النظم، وبراعة الترتيب، أبدع فيها صاحبها ابن آجروم وأفاد، وفصّل فيها وأجاد، ولا غرابة في ذلك، فناظمها امتاز بكل الخصائص العالية، والمزايا الغالية، فهو في العلم كنار على علَم، عرفناه بمتن الآجرومية نحويا كبيرا، وسنعرفه في هذا الكتاب قارئا للقرآن مجودا وتاليا”.

نظم سند متجينوش في القراءات السبع

تعتبر كتب أسانيد الأئمة من الكتب القيمة لباحثي العلوم القرآنية بصورة خاصة وغيرهم من المتخصصين في العلوم الإسلامية بشكل عام، كما أن كتب أسانيد القراء إلى البدور السبعة له أهميته البالغة في بيان صحة اختياراتهم الأدائية، ومنظومة سند متجينوش نظم جمع فيه الامام محمد بن المهدي متجينوش الرباطي الأندلس المتوفي عام 1344 هـ سنده في القراءات السبع.

وقد اعتنى الأستاذ الدكتور عبد الفتاح الفريسي بالمنظومة وأخرجها في كتاب جمع فيه دراسة وتحقيقا للنظم.

الكتاتيب القرآنية

كتاب الكتاتيب القرآنية الآليات الأهداف الآفاق عبارة عن مؤلف جماعي لخص أشغال الندوة التي نظمتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالرباط خلال الفترة من 23 إلى 25 ماي 2006 شارك فيها الدكتور عبد الفتاح الفريسي بحضور ثلة من العلماء والفقهاء والباحثين من المغرب وموريتانيا والسينغال ببحث تحت عنوان: الكتاتيب القرآنية الواقع والآفاق تطرق فيه إلى واقع الكتاتيب القرآنية بالمغرب، وأهم التحديات التي تعاني منها، مع ذكر بعض الآليات والحلول التي يراها الدكتر الفريسي كفيلة للنهوض بمستوى التعليم الديني الأولي.

تطرق الجزء الأول من الكتاب إلى واقع الكتاتيب وآفاقها من خلال ثلاثة محاور: الكتاتيب القرآنية: واقع وآفاق، مناهج وطرق التدريس بالكتاتيب القرآنية، وخصوصيات الكتاتيب القرآنية حسب المناطق.

أما الجزء الثاني من الكتاب، فتطرق إلى الرواية المتواترة وآليات الرسم والضبط والقراءة، من خلال ثلاثة محاور: الكتاب القرآني والرواية المتواترة فيه وتطبيقاتها بالوقف الهبطي، والآليات المساعدة لحفظ القرآن الكريم وضبط الرسم العثماني، والمنهج المغربي في ضبط الرسم والقراءة.

تقريب البارع في قراءة الإمام نافع

كتاب تقريب البارع هو شرح لأرجوزة الإمام ابن آجروم الصنهاجي «تـ: 723ه» المعروفة بـ«البارع في أصل مقرإ الإمام نافع»، ضمّنها صاحبها، قراءة البدر الأول من البدور السبعة نافع المدني، وتتبّع فيها ما خالف فيه أبو سعيد عثمان بن سعيد الملقب بـ«ورش» عيسى بن مينا الملقب بـ«قالون»، معتمدا في ذلك طريق إمام القراءات أبي عمرو الداني «تـ:444ه» واختياراته، وقد عمل الشارح على تقريب الكتاب وما جاء فيه من اختيارات قرائية لابن آجروم، أصولا وفرشا، كل ذلك مع الاختصار في العبارة، وقلة التطويل في الإشارة، المنظومة.

وقد قسم الدكتور الفريسي مؤلفه إلى قسمين كبيرين :

1. قسم الدراسة: خصصه المؤلف للحديث عن عصر ابن آجروم والظروف السياسية والثقافية المرتبطة به، كما تعرض فيه لحياة الإمام ابن آجروم ومسيرته وسيرته.

2. قسم الشرح: وتطرق فيه الفريسي إلى شرح النظم وبيان معانيه بطريقة فريدة تعتمد أربع خطوات:

  • بين يدي الباب: يعتبر مقدمة بسط فيها الشارح ما سيأتي في الباب من مسائل قرائية وقضايا تجويدية
  • تقريب المعاني: وهو شرح لأبيات الباب وتعليق على ما فيها
  • خلاصة الباب: عمل فيها الشارح على تلخيص قضايا الباب
  • الخطاطة: وهي عبارة عن خريطة ذهنية وخطاطة بيانية تلخص ما جاء في الباب.

تشنيف السامع

يُعتبر كتاب تشنيف السامع للإمام امحمد بن محمد الخصاصي المتوفي عام  1354 هـ (1935م)، رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته من الشروح المغربية لنظم الدرر اللوامع في مقرإ الإمام نافع للإمام أبي الحسن علي الشهير بابن بري التازي المتوفي عام 730 هـ ؛ إذ أن مؤلِّفَه رحمه الله لم يدَع شاذّة في فنّه إلا أتى بها، ولا فاذّة فيه إلا عرَّج عليها. وقد بيَّن المؤلفُ أنه ذهب في هذا الشرح لتبيين ألفاظه، وإيضاح معانيه، باذلاً جهدَه في تقرير مسائله، وتحرير عباراته.

قال رحمه الل في مقدمة شرحه: “اهتممت أن أجعل شرحا على الدرر اللوامع لعلني أن يأخد الله بيدي، ويذخلني في سلك القراء أهل الآداء ولم بتيسر ذلك لي حتى كنت في جوار سيدنا ومولانا عبد العزيز أدام الله عزه وعلاه، وأسأله سبحانه أن يحفظه ويرعاه وها أنا شرعت في شرحه، مستمدا من الله العون على تحصيله لي وللمبتدئين مثلي، ولها شـروح كثيرة، منها الموجز ومنها المطول، ووجدت شرح أبي السعادة سيدي مسعود جموع كثير الأنفال، فجعلت ألتقط أنواره وأزهاره كي ما يفيد متعا طيبة والقصر والنظارة، وسميته تشنيف المسامع على الدرر اللوامع والله أرجوا أن يجعله خالصا لوجهه الكريم إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير”.

وقد عمل الأستاذ الدكتور عبد الفتاح الفريسي على دراسة وتحقيق كتاب تشنيف السامع للإمام امحمد بن محمد الخصاصي.

مشارق الأنوار

يدخل كتاب مشارق الأنوار للدكتور عبد الفتاح الفريسي في مجال فقه التزكية وهو أساس الفقه القلبي والسير إلى الله تعالى، والذي يقوم على أساسه تدين المسلم وإيمانه، وقد اشتمل الكتاب على فقه الدعاء من القرآن الكريم والسنة الصحيحة وعيون الشعر.

فبعد أن تطرق الدكتور عبد الفتاح الفريسي إلى الدعاء وشروطه، استعرض الأدعية الواردة في القرآن الكريم، ثم انتقل إلى الأدعية النبوية الصحيحة حسب الأحوال والمناسبات، ثم استعرض المؤلف مجموعة من عيون الشعر عبر قصائد شعرية في الدعاء والتوسل إلى الله.

نظم الأقنوم في مبادئ العلوم (دراسة وتحقيق)

عمل الدكتور عبد الفتاح الفريسي على تحقيق الأبواب المتعلقة بعلوم القرآن الكريم من نظم (الاقنوم في مبادئ العلوم) للعلامة عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي (ت: 1096 هجري.

ونظم عبد الرحمن الفاسي موسوعة، فاقن أبياته 12000 بيتا، نظم فيها الفاسي 281 علما، اصولها وفروعها، كالعقائد، والتوحيد، والتفسير، والحديث، وأصول الفقه، والفرائض، والنحو، والتصريف، والخط، وقد عمل الدكتور عبد الفتاح الفريسي على تحقيقه عبر أقسام تجمع فنونا خاصة، ابتدأ منها بعلوم القرآن الكريم.

1. الدراسة
2. مقدمة النظم
3. علم التفسير
4. علم القراءات
5. الرسم
6. الضبط
7. التجويد
8. الوقف والابتداء
9. أسرار الرسم
10. قراءة العشر

حِكم ابن عطاء الله: تعريف وتنويه

قيَّض الله تعالى من يجدد الحكمة في روح الأمة الإنسانية، وينشر معالم الخير فيها، ويعمل على بناء معاني الخشية والفهم الصحيح فيها، ويجدد لها أمر الأخلاق والدين فيها، وعلى رأس أولئك المجددين الأنبياءُ والمرسلون، ومن سار على دربهم من الصالحين والمصلحين، والمربين الموجهين، في كل وقت وحين، وإن من أجل هؤلاء نجد الإمام ابن عطاء الله السكندري، الذي ألف نخبة من الحِكَم والوصايا والدرر العطايا.
وحِكَم ابن عطاء الله هي عصارة تجربة روحية، وسياحة فكرية في عالم القرآن الكريم والسنة النبوية، وتجارب السلف الصالح، وتتعلق بمعلمين كبيرين من معالم الدين وهما العقيدة والأخلاق، وهما معلمان يشترك فيهما كل الرسالات والأنبياء، وتجمع بين مختلف الملل والنحل، بخلاف الشرائع الفقهية، فإن لكل أمة فروعها وشرائعها، قال تعالى: ” لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا” [المائدة: 48]
وقد جمع ابنُ عطاء الله تلك الحِكَم لتكون زاداً يعين على فهم روح القرآن الكريم، واستبصار مبانيه ومعانيه، وأبدع رحمه الله التصنيف في أحوال ذلك، وجمع فيها بين العبارة المعبرة، والإشارة المشعرة، بين العلم الذي يبصِّرُ المؤمن ويهديه، والأنفاس التي تدفعه وترقيه، تبني الروح والوجدان، وتورث الحركة إلى المعالي والعرفان، وتعين على السير في مفازات الميدان، يعرف ذلك من نظر وتأمل فيها، واعتنى بمبانيها، واجتهد في الوقوف على معانيها.
1. ولادة ابن عطاء الله ونشأته:
ولد الإمام ابن عطاء الله شيخ الإسلام تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي بالقاهرة عام (658هـ) وتعلم منذ نعومة أظافره العلومَ الدينيةَ والشرعيةَ واللغويةَ، وتميزت رحلته العلمية بميزة تتمثل في الجمع بين علوم الشريعة وفقه التربية والسلوك، حيث أخذ عن الإمام أبي العبس المرسي والذي أخذ بدوره عن الإمام أبي الحسن الشاذلي عن الإمامين مغربيين كبيرين في علم التصوف السني والسلوك والتربية وأعني بذلك الإمام عبد السلام بن مشيش دفين جبل العلم بتطوان المغربية، والإمام محمد بن حرازم دفين فاس بالمغرب، وبهذا السند المتصل إلى إمام المدرسة العرفانية الشيخ أبي القاسم الجنيد استطاع الإمام ابن عطاء أن يكون أَحد فقهاء عصره الجامعين بين فقه القالب والقالب، والروح والجسد، والشريعة والحقيقة، والمباني والمعاني.
وبعد عمر قضاه في خدمة العلم والشريعة والسلوك، توفي ابن عطاء الله السكندري تاركا ورائه العديد من الكتب والحكم عام تسع وسبعمائة (709 هـ) في القاهرة.
2. مؤلفات ابن عطاء الله:
ألف ابن عطاء الله العديد من المؤلفات، منها كتاب ( التنوير في إسقاط التدبير )، وكتاب ( لطائف المنن )، وكتاب ( مفتاح الفلاح ) وكتاب ( تاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس ) وكتاب ( الحكم العطائية )، وهو موضوع مؤلفنا وحديثنا، ويمكن اعتباره أشهر ما وصلنا من مؤلفات ابن عطاء الله ومصنفاته، وقد كتب الله له القبول والانتشار، حتى ترجم إلى العديد من اللغات العالمية، ولا يزال يُدرس في بعض المعاهد والمراكز شرقا وغربا.
وحكم ابن عطاء الله عبارة عن مجموعة من الحكم والأقوال البليغة، تبلغ 264 حكمة، تعكس خبرة علمية، نعتبرها عصارة فهم دقيق لمعاني القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وأحوال السلف وما ذهب إليه جماعة المسلمين في العقيدة والدين والتربية والسلوك.
وقد تصدى العلماء قديما وحديثا لحكم ابن عطاء الله بالشرح والتعليق والبيان، وألفوا في ذلك مؤلفات عديدة، ومن بينها:
1- (غيث المواهب العلية بشرح الحكم العطائية) للإمام أبي عبد الله محمد بن إبراهيم النفري الحميري الرندي الأندلسي ، المعروف بابن عَباَّد النفَّري (733 -792 هـ)
2- (شرح حكم ابن عطاء الله) للإمام أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البُرنسي زروق الإمام أحمد زرّوق (846 – 899هـ)، وشرحه هذا من أحسن الشروح، وله كذلك شروح أخرى على الحكم ذكرها في مقدمة كتابه أنها بلغت 16 شرحا
3- (شقائق الأكم بدقائق الحكم) للإمام الفقيه المؤرخ رضى الدين محمد بن إبراهيم بن يوسف الحنفي الحلبي القادري التادفي المعروف بابن الحنبلي 908 – 971هـ
4- (إيقاظ الهمم في شرح الحكم) للإمام العارف الشهير شيخ الإسلام أحمد بن محمد بن عجيبة الحسني الأنجري 1160– 1224هـ، راعى في شرحه التوسط بين المعنى وتحقيق المبنى
5- (الملتزم الجامع لمعاني الحكم) للإمام محمد الطيب بن عبد المجيد بن عبد السلام بن كيران المالكي الفاسي 1172 – 1227هـ، منه نسخ خطية في مكتبات فاس والرباط،
6- (تلخيص الحِكَم ) للشيخ نور الدين بن عبد الجبار بن نوري بن أبي بكر بن زين العابدين ابن شمدين الحسيني البريفكاني النقشبندي 1207 – 1268هـ، وهو شرح منظوم لحكم ابن عطاء الله، نظم في كل حكمة نظما لطيفا ميسرا للحفظ،
7- (الغيث المنسجم في شرح الحكم) للإمام أبي بكر بن محمد بن عبد الله البناني الرباطي ت 1284هـ،
8- (شرح الحكم العطائية ) للشيخ عبد المجيد الشرنوبي المالكي.
9- (المنهج الأتم في تبويب الحكم) للإمام المحدث علاء الدين علي بن حسام الدين عبد الملك بن قاضي خان القادري الشاذلي المعروف بالمتقي الهندي، بدأه بباب العلم، ثم باب التوبة، ثم باب الإخلاص في العمل، باب في الصلاة، باب العزلة والخمول، باب في رعاية الوقت واغتنامه، باب الذكر، باب الفكرة، باب الزهد وفضيلته… وهكذا. (30) باباً.. ثم المناجاة.
10- (الحكم العطائية شرح وتحليل) للشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، وغيرها من المؤلفات.
وقد كنا اشتغلنا على حكم ابن عطاء الله مرارا عديدة في خطبنا ومواعظنا وبرامجنا الإعلامية ورأينا فيها تأثيرا عجيبا على النفوس، وإقبالا منقطع النظير من لدن الناس، وها نحن الآن نستجمع القوة، ونتوكل على الله، ونجمع تلك الجهود في ملخص واحد، نرجو الله أن يكون نفعه عاما، وأن يجعله رحمة لكاتبه وقارئه، وبركة في البلاد وعلى العباد، وأن يرزقه القبول، وينفع به، والله من وراء القصد، والقادر عليه.
ونحن، مع ذلك، على يقين أننا لا نروم استيفاء جميع ما اشتملت عليه هذه الحكم العطائية، وما تضمنته من المعاني والمفاهيم، فهي كما قال بعض شراحها منطوية على أسرار مصونة، وجواهر حكم مكنونة، لا يكشفها إلا صاحبها، ولا تتبين حقائقها إلا من خلاله، ونحن في هذه الحلقات التي نوردها، والمناحي التي نعتمدها، غير مدَّعين شرحا لكلام ابن عطاء، ولا أن ما سنذكره هو حقيقة مذهبه، ولكننا نجتهد في تقريب المعاني الكبرى والمفاهيم العظمى بأيسر عبارة، وأقرب إشارة، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، فإن وافقنا فيه حقيقة الأمر، كان ذلك من النعم التي لا نحصي لها شكرًا، وإن خالفنا ذلك، أحلناه على نقصنا وجهلنا.