العيش مع الذات – الحلقة 1

العيش مع الذات: كيف نفهم أنفسنا؟ ونحترم ذواتنا
الحلقة 1 | المقدمة |عبد الفتاح الفريسي

1. مقدمة:
لقد استغرقت وقتًا طويلاً لفهم هذا الدليل على أن الشخص الذي قضيت معه معظم حياتي هو نفسي.
واستغرقت المزيد من الوقت لاكتشاف أنني لا أهتم كثيرًا بنفسي، وأنني لم أكن أعير اهتماما كافيا بنفسي ، وأنني لم أكن أراعي نفسي ما تستحقه من الرعاية، وقد كانت مفارقة غريبة، حيث كنت في الوقت نفسه ، من خلال عملي كمدرب، أهتم بالآخرين ، وأرافقتهم، وربما أقوم بدعمهم في جهودهم للبناء والتغيير.
ويبدو لي أن أي علاقة ناجحة مع الذات لا تنجح الا عبر مجموعة من المنطلقات الناجحة، والأسس الثابتة عبر إنشاء علاقة جيدة معها، واحترامها، والتوافق معها ، وضمان وجود اتفاق بين ما أفكر به وما أفعله ، وبين ما أشعر به وما أقوله.
في النصوص التالية والتي تنتمي إلى سلسلة من الكتابات السابقة والندوات والمحاضرات، سأحاول إعطاء علامات مرجعية يبدو لي أنها أساسية لمواصلة الأسئلة حول النفس والذات، وكيفية التغلب على الهوى والغشاوة التي تطمس البصيرة والاستبصار، ليكون المرء حرا يقظا في سيره وحياته.
إنها مقترحات مفتوحة شبيهة بالمسارات ومعالم في طريق السائرين، تشتمل على أمور ، قادرة على تذكيرنا بأن بأفضل ما فينا يمكننا أن نلتقي بأفضل ما لدى الآخر.

2. توطئة:
حينما يكون المرء قدَرَ نفسِه، يتمكن من الوصول إلى مصادر ذاته وعيون نفسه، وما استفاد المرء بشيء أكثر من عزلة يدخل فيها ميدان الفكر، ففي البعد قرب، وفي الصمت حديث، وأي حديث.
في البعد والصمت كل شيء يتحرك، وقد استفدت من هذا للقاء ذاتي.

3. الخوف والرغبة:
قلما نكتشف أن وراء كل خوف نعيش فصوله في حياتنا رغبة غائرة يناسبها قوة ويواتيها مقدارا، هذا التأكيد القاطع والمبسط إلى حد ما يمكنه إرباك أكثر التاس، هذا الارباك يمكنه أن يتلاشى بمجرد أخذ الوقت الكافي للاستماع إلى ما يخفى وراء معظم مخاوفنا، سنتوصل إلى حقيقة مفادها ان العديد من رغباتنا تعمل في أعماقنا بقوة، وهي مع ذلك كله لا تجرؤ على التعبير عن نفسها بشكل واضح، أو لا يمكنها أن تعمل على إظهار نفسها بوضوح أو تحديد نفسها كما ينبغي.
إذا كنت خائفًا مثلا من الإصابة بالسرطان ، فمعنى ذلك أنني ربما لا أريد أن يصاب جسدي بهذا النوع من الأمراض، وإذا كنت أخشى أن من أحب لا يحبني ، فهذا بالتأكيد لأنني أريد أن يستمروا في حبي والقرب مني، وإذا كنت خائفًا من أن يطردني مدير عملي من وظيفتي ، فلربما يكون ذلك بسبب رغبتي في المحافظة على عملي.
هذه الأمثلة القليلة كافية للدلالة على أن الاعتراف برغبة المرء والتعبير عنها هو أكثر ديناميكية من ترك نفسه محصورًا بمخاوفه أو اجترارها أو فرضها باستمرار على من حوله.
يوجد العديد من المخاوف في الاعماق لا ينتبه إليها أحد، مخاوف ليست في حقيقتها الا أقنعة لمخاوف أخرى وبالتالي لرغبات أكثر عمقا وأكثر انتشارا وتناقضا، يجد المرء صعوبة في مقاومتها ووضع حد لها والاعتراف بها، فالخوف من الظلام مثلا هو في حقيقته خوف من تخيلات نتخيلها وأمور نتصورها تبرز لنا في عالم الظلمة، فعند بعض الأطفال يخفي الخوف من الظلام الرغبة في النوم في أحضان الوالدين والاطمئنان في محيطهما، والخوف من اللصوص عند المراهقين يمكنه أن يرتبط بالقلق تجاه تطفل حميمي، يخفي رغبة يصعب التعرف عليها بله الاعتراف بها، تتلخص في لقاء حميمي غير ضار.
أننا مطالبون بكل وعي أن ننصت ونستمع إلى رغباتنا الدفينة الموجودة وراء كل مخاوفنا وأن نمتلك الجرأة على احترامها.
عندما لا يستطيع المرء التكيف مع رغبات الآخر ، يمكنه في النهاية التكيف مع إمكانياته الخاصة.

4. الحاجة تولد قبل الرغبة
في ترتيب الأولويات الحاجة تسبق الرغبة، ومن خلال إشباع حاجاتنا الأساسية من مطعم ودفء وحماية يمكن المحافظة على بقائنا، والإلحاح الفطري لكل واحد من بني الإنسان يكمن في الاستجابة المناسبة والمكيفة لاحتياجاتنا الحيوية التي نخصص لها أوقاتنا وحيزا كبيرا من حياتنا. يأتي بعد ذلك الرغبة لتشتعل بسرعة حينما يتم استرضاء المطالب التي يفرضها البقاء وقانون الحياة.
الرغبة تبرز من النقص والاحتياج، من الفراغ، من العدم، وتبرز بعد ذلك من الجاذبية، من حركة تدفعنا، تقودنا وأحيانا تدفعنا إلى الآخر. نحو آخر الذي يملك ما لا نملك، يملك نورا يضيء كياننا، يفكر بطريقة توازي طريقتنا، وذبذبة تنسم مع ذبذبتنا.
الرغبة قوة دفع تبحث عن طاقة مفقودة، أنها انفجار داخل النفس قبل أن تكون انفجارا خارجها، بدونها يكون الكائن الحي أقرب إلى الموتى، الذين لهم قلوب لا يعقلون بها، واذان لا يسمعون بها واعين لا يبصرون بها، لا حركة ولا سكون، مفعول بهم وليسوا فاعلين، خمول ولا نبض، فاقد لكل رغبة.
أحيانا تتحكم فينا رغباتنا في سد احتياجاتنا والاستجابة لحالاتنا الطارئة، ونستجيب لدوافعها القوية، القادرة القاهرة، التي تطمس كل شيء يقف في وجهها.
وفي بعض الأحيان تنفرنا بعض رغباتنا، وتتحكم فينا، في مفارقة عجيبة، ونعمل على خدمة جهة ما مخاطرين بالتضحية باحتياجاتنا العميقة، التي تستحق أن يكون لها أولوية قي حياتنا، في الوقت الذي يجب أن تكون في خدمتنا والسعي إلى تحقيق امكانياتنا، وإنجاز انجازاتنا.
بعض علاقات الصداقة والمحبة تتأسس حول مبدإ الحاجة، ومع ذلك يمكنها أن تعيش طويلا، في تناغم وسلام تام من علاقات اخرى، وهناك علاقات أخرى تتأسس على النقيض من ذلك، على أساس الرغبة، وهي بذلك تختار طريقا فوضويا، أكثر عشوائية وأكثر خطورة.
قد يحدث ايضا أن احتياجا يأخذ صورة رغبة للتحقق في الواقع، وقد رأيت كثيرا من صور الرغبات هي في الأصل تعبير عن حاجة دفينة في نفس صاحبها، ومن ذلك أن أحدهم يحكي أنه رأى بالصدفة لوحة فنية تصور حديقة، في محل تجاري يعرض صورا للبيع، والغريب أن هذا صاحبنا قليلا ما يمر بالشارع الذي يوجد فيه المعرض، وكانت محل التجاري مغلقا، وقد مر مرات عديدة ليقتنن اللوحة دون أن يجد المحل مفتوحا، وفي المرة الأخيرة وبعد أن أصابه اليأس، احس بشيء في قلبه يأمره بالذهاب إلى المحل، وحينما وصل لم يجد اللوحة معروضا فسأل صاحب المحل فأخبره بأنه حذف من العروضات لأنه حصل وعد ببيعها إلى رجل يرغب فيها، في اجل لا يتعدى اسبوعا، وبعد اسبوع تمكن الرجل من شراء اللوح بعد أن استغنى مشتريها الأول عن شرائها، والغريب أن صاحبنا بعد سنوات اكتشف ينما أراد تغيير إطار اللوحة أنها كانت في في ملكية جده، علم ذلك من خلال وجود اسم الجد في طرف خلف اللوحة، التي لم تكن تمثل سوى الحيقة التي ولد فيها والده. فعند طريق رغبته الملحة استطاع الرجل أن يصل إلى اللوحة، ومن خلال استطاع بذلك أن يستجيب لحاجته القوية في التواصل مع أصوله.
(سواء كنت قريبا او بعيدا سأعيش دائما في أفراح رغباتي، أعرفك بكونك حيا .. وهذا يكفيني)

مصحف الماهر

مصحف الماهر مشروع عالمي يهدف إلى خدمة القرءان الكريم وحفّاظِهِ وقارئيه، عن طريق قراءة ختمات قرءانية بمختلف القراءات والروايات المتواترة مع مدارسة علوم القرءان الكريم وأصول قراءاته ورواياته. تأسس نادي الماهر سنة 2014 بمبادرة من مجموعة من قراء المملكة المغربية، ويشرف عليه نخبة من قراء العالم الإسلامي.

خطب الجمعة

يقع الطفل في دائرة اهتمام مؤسسة الحاج البشير للتعليم العتيق، وهي أولوية ثابتة في خارطة طريقها ومحور أساسي لسياستها. وإذا كان هدفنا أن نكون الأفضل في مجالنا، فإن ذلك لن يتحقق إلا بالاهتمام بالطفولة لأنهم نسيج ثقافة الأمة الحية، وحافظوا قيمها، ووارثوا أمنها وأمانها لمواصلتة البناء والتنمية.

برنامج (سلوة الأنفاس)

وهو برنامج إذاعي قدمه الدكتور عبد الفتاح الفريسي بإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم بالمملكة المغربية، يلخص الفريسي تعريفها ويبين الهدف منها بقوله: (موعظة رقيقة وقصة لطيفة، أشعار معبرة وأخبار مؤثرة، جُمعت لعل لاهيا يسمعها فيتعظ أو غافلا ينصت إليها فينزجر)

برنامج (اقرأ وارتق)

برنامج حواري يعنى بتعليم علم وأحكام التجويد برواية ورش عن الإمام نافع المدني من خلال دروس نظرية وقراءات تطبيقية بأصوات المستمعين، وقد بدأ أصل الفكرة بالبرنامج الإذاعي الأسبوعي الذي كان يقدمه الدكتور الفريسي بإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم بالمملكة المغربية، والذي عرف نجاحا كبيرا، وإقبالا منقطع النظير، اعتمد فيه صاحبه على لغة للتواصل سهلة، وعلى محتوى يستفيد منه المبتدئ والمنتهي على حد سواء، وقد عرف البرنامج نجاحا كبيرا مما دفع صاحبه ألى تطوير فكرته وتقديمه عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة في نقل مباشرعبر صفحة الدكتور الفريسي على الفيسبوك.

مصاحــف الفريســـي

وهي تسجيلات قرآنية يرم بها صاحبها التوثيق الصوتي للقرآن الكريم بمختلف الروايات المعتمدة الصحيحة، وهو مشروع يراود الشيخ الفريسي منذ زمان بعيد، يقوم على أساس تسجيل  المصحف  المجيد بمختلف الروايات الصحيحة، ويمكن لكل طالب متابعة التسجيلات المختلفة عبر صفحة الشيخ على اليوتوب

المقررات الدراسية لأكاديمية الدراسات الإسلامية

سعيا منها لمساعدة طلبتها على متابعة الدروس والمحاضرات العلمية بطريقة أفضل وأيسر، عملت أكاديمية البشير للدراسات الإسلامية على إخراج مقرراتها العلمية والدراسية في مستوياتها الأربعة في كتب علمية، وهي عبارة عن مداخل وملخصات للدروس التي يلقيها الأساتذة ي دروسهم الأكاديمية.

وقد سهر على إخراج المقررات العلمية فريق علمي وتقني من أكاديمية البشير تحت إشراف عبد الفتاح الفريسي، كما تابعوا عملية المراجعة والتصحيح بمشاركة أساتذة الأكاديمية وعلمائها.

نظم ري الظمآن في القراءات السبع – دراسة وتحقيق

الكتاب عبارة عن تحقيق ودراسة لمنظومة «ري الظمآن» تأليف الإمام المهدي متجينوش الرباطي الأندلسي -ت:1344 هـ- جمع فيها ناظمها رحمه الله مذاهب القراءات السبع المتواترة، وتتبّع فيها ما اتفق عليه القراء في أصول القراءات وفروعها، كما أفرد لكل راوٍ ما انفرد به من وجوه القراءات، معتمدا في ذلك كله على ما جاء في اختيارات إمام القراءات أبي عمرو الداني «تـ:444 هـ»، المنظومة قام بدراستها وتحقيقها الأستاذ الدكتور عبد الفتاح الفريسي.

نظم البارع في قراءة الإمام نافع – دراسة وتحقيق

نظم «البارع في أصل مقرإ الإمام نافع»هو أرجوزة نظمها الإمام ابن آجروم الصنهاجي «تـ: 723ه» ضمّنها قراءة البدر الأول من البدور السبعة نافع المدني، وتتبّع فيها ما خالف فيه أبو سعيد عثمان بن سعيد الملقب بـ«ورش» عيسى بن مينا الملقب بـ«قالون»، معتمدا في ذلك طريق إمام القراءات أبي عمرو الداني «تـ:444ه» واختياراته، وقد عمل المحقق على تقريب النظم وتقديمه لطلبة العلم، مبينا ما جاء فيه من اختيارات قرائية لابن آجروم، أصولا وفرشا، كل ذلك مع الدقة والاختصار.

وقد قسم الدكتور عبد الفتاح الفريسي مؤلفه إلى قسمين كبيرين :

1. قسم الدراسة: خصصه المؤلف للحديث عن عصر ابن آجروم والظروف السياسية والثقافية المرتبطة به، كما تعرض فيه لحياة الإمام ابن آجروم ومسيرته وسيرته.

2. قسم التحقيق: وتطرق فيه الفريسي إلى التعليق على النظم وبيان غرائب كلماته معانيه بطريقة فريدة .

لماذا نصوم؟ البعد الإنساني في الصوم

شهر رمضان خير ما يفرح به المؤمن ، كيف لا ؟ وقد مدَّ الله له في عمره ليبلغه هذا الشهر الكريم ليكون فرصة لرفع الدرجات وزيادة الحسنات وتحقيق المقاصد والغايات.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرح إذا دخل رمضان، وكان من هَديه -عليه الصلاة والسلام- توجيه الناس إلى خيرَي الدُّنيا والآخرة، وحَثّ الناس على استغلال أوقات هذا الشهر بحَثّهم على فِعل الخيرات، وتشجيعهم على الإكثار من الطاعات.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستعد لرمضان، وينير المساجد بالقناديل، وجمع الناس على صلاة التراويح لقراءة القرآن، وبعد موته قال علي بن أبي طالب: نوّر الله لك يا ابن الخطاب في قبرك كما نوّرت مساجد الله بالقرآن.
شهر رمضان فرصة ذهبية عظيمة يحرص عليها العاقل، ويشمّر لها الفطن، كان يحيى بن أبي كثير يدعو ويقول: “اللهم سلمنا إلى رمضان وسلم لنا رمضان وتسلمه منا متقبلا”، ويقول الحسن البصري رحمه الله: “إن الله جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا! فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون! ويخسر فيه المبطلون!”.
وربّ سائل يسأل لماذا نصوم؟
وهو سؤال وجيه يتكرر كثيرا على ألسنة الشباب والمهتمين، في عصر نشأ الناس في بيئة مفتوحة، والتي تريد أن تعقل كل شيء ولا تقبل الفكرة قبل معرفة المقصد والحكمة
والملاحظ  أن القرآن الكريم حافل بذكر العلة والغاية وبيان الحكمة من أحكام التشريعات، فقد بين أن الحكمة من الصيام تحقيق التقوى فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة: 183، وأن الحكمة من الصلاة الذكر والصلة بالله، فقال: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} العنكبوت: 45، وأن مقصد الزكاة والصدقة تطهير النفس من الشح فقال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} التوبة: 103، وأن الحكمة من الحج ذكر الله وشهود المنافع وتحقيق المنافع الحسية والمعنوية فقال: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} الحج: 28.
وإننا نعتقد أن الخطاب الديني اليوم بحاجة ماسة إلى تجديد وسائله وطرق عرضه للدين وشريعته، عبر اعتماد خطاب يؤكد على روح الشرع وفلسفة الأحكام وعلتها، في وقت بدأ التشكيك في المسلّمات الدينية، وانتشرت الأفكار التي تضع كل شيء تحت البحث ومجهر المختبر.
ونحن نؤمن أن أحكام الدين كلها مبنية على الحكمة ومعقول المعنى، لكنها حكمة تظهر لأناس وتخفى على غيرهم، مما يستوجب إدامة البحث واستخدام النظر والبحث.
ومما يؤسف له أن موروثنا الفقهي، وحاضر الخطاب الديني طغى عليه التركيز على صور العبادات وتصحيح أشكالها ومبانيها، على حساب بيان روحها ومعانيها، وقد نتج عن هذا غياب أثر العبادة وروحها في واقع المسلمين، وأصبح الناس يمارسون مختلف العبادات كالصلاة والصوم والحج وغيرها على نحو يجردها من مغزاها وبعدها الحقيقي، وأصبحت جزءا مظهريا متحررا من روح الشريعة وإنسانية الإنسان.
وعودا على السؤال المطروح في عنوان هذه المقالة، لماذا نصوم ؟ 
نقول إن مقاصد الصيام التي تؤكد على حقيقته وإعجازه وصلاحيته كثيرة، نضع بين أيدي القارئ بعضا منها، لتكون للمؤمن سببا لزرع الطمأنينة والثقة في دينه ليزداد إيمانا، {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} البقرة: 260ـ وتكون كذلك لغير المؤمن سببا في الانفتاح على دين الإسلام بطريقه تعتمد التفكير عوضا عن التقليد في الحكم له أو عليه.
وحِكم الصيام ومقاصده كثيرة يمكن أن نتدارس اليوم حكمة نطلق عليها مقصد الصوم الإنساني، وذلك أن يجوع الصائم ويجاهد نفسه لبعض الأوقات فيتولد بذلك عنده الشعور بمن يجوع كل الأوقات، وتكون نتيجة ذلك الإحساس السعي إلى مدّ يد العون إلى الجائعين ومحاربة كل أشكال التمييز المادي في المجتمع، وتحقيق المساواة بين الناس، خصوصا إذا علمنا أن البشرية تفقد كل يوم حوالي 21 ألفا يموتون بسبب الجوع، جزء مهم منهم في العالم الإسلامي.
إننا نؤكد أن المقصد الإنساني حاضر في روح دين الإسلام في كل العبادات، ففي الصلاة تحضر مساواة الأجسام لا يتقدم إنسان على إنسان، فالكل سواء، وفى الصوم مساواة البطون، لا يمتاز فيها بطن على بطن، وفى الزكاة مساواة في الأموال لا تمتلئ في جيب وتفقر منها في جيب، وفى الحج مساواة في اللباس لا يتميز لباس عن لباس.
ومعنى ما سبق أن إنسانية الإسلام ظاهرة واضحة في تشريعات الصوم وأحكامه، غير أن واقع المسلمين وممارساتهم اليوم في شهر رمضان، لا تعكس حضور هذا المعنى؛ فقد أصبح شهر رمضان أكثر شهور السنة التي ينفق فيها على الطعام والشراب، حتى صارت بطون الصائمين تتألم من كثرة الطعام بعد الإفطار.
في شهر رمضان اليوم يرتفع استهلاك الأغذية بدلا من أن ينخفض، أما ما ينخفض بالتأكيد فهو مردودية الإنتاج والعمل.
إن إنسانية الإسلام ظاهرة واضحة في تشريع الدين الإسلامي وأحكامه، غير أن المسلمين اليوم لم ينجحوا في تجسيد هذه القيم والحكم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان
وإنني لأتساءل بحق، ماذا لو رفع المسلمون في العالم شعار: (أجود الناس) وقاموا بجمع الأموال الفائضة عنهم في الإنفاق على الطعام خلال شهر رمضان، وإيصالها للجائعين والفقراء والمحتاجين وعالجوا الهشاشة والفقر المستشريين في عالمنا الإسلامي.