Category: مقال
أوراق خضراء: الإسلام والبيئة
تأتي هذه الورقات العلمية مساهمة متواضعة في إغناء الحوار الدائر حول البيئة والمناخ بمناسبة انعقاد مؤتمر الأطراف 2 COP الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ بين7 الى 18 نونبر في مراكش المغربية، ومساهمة في إماطة اللثام عن نظرة الإسلام للبيئة، وهي نظرة تتميز بالشمولية والتنوع، لا يملك المتأمل فيها إلى أن يقف إجلالا وتقديرا لها، ونتمنى أن تتاح الفرصة لتعميق البحث فيها وإثراء ما جاء فيها من أفكار نعتقد أنها جديرة بالاهتمام والتفكير، خصوصا وأنها تشرك عنصر نصوص الدين والعقيدة في المساهمة في الحوار وتبادل الأفكار حول الحياة والبيئة من حولنا
مفاتيح التعامل مع القرآن الكريم
لماذا نصوم؟ البعد الإنساني في الصوم
الحج مقاصد وأسرار
إن الحج من أوَّله إلى آخره، وفي كل خطوة من خطواته، حافل بكثير من المناسك والمواقف التي تشعر الإنسان بعظمة الله وقدرته، وتتجلى فيها الحكم والأسرار لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وفي كل واحدة من هذه المناسك تذكرة للمتذكر، وعبرة للمعتبر.. وهذه بعض أسرار الحج وحكمه:
الحج والإحرام:
في الإحرام تظهر المساواة بين جميع المسلمين حاكمهم ومحكومهم، غنيهم وفقيرهم، ومظهر الحجاج في لباس الإحرام يمثل البعث في الحياة الآخرة، ويكشف عن أن الدنيا الزائلة لا يليق أن تصرف مفاتنها العاقل المؤمن عن الاستعداد للحياة الباقية.
وهو في حقيقته تجرد من شهوات النفس والهوى، وحبسها عن كل ما سوى الله وعلى التفكير في جلاله.
الحج والتلبية:
في التلبية إجابة نداء الله عز وجل، فارجُ أن تكون مقبولاً، واخش أن يقال لك: لا لبيك ولا سعديك. فكن بين الرجاء والخوف مترددًا، وعن حولك وقوتك متبرئًا، وعلى فضل الله -عز وجل- وكرمه متكلاً. وليتذكر الملبي عند رفع الصوت بالتلبية إجابته لنداء الله عز وجل: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27]. وانقياد الخلق بنفخ الصور، ونشرهم من القبور، وازدحامهم لعرصات القيامة مجيبين لنداء الله، وهذه التلبية شهادة على تجرد النفس من الشهوات والتزامها الطاعة والامتثال.
الحج والطواف:
ينبغي أن يُحضر في قلبه التعظيم والخوف والرجاء والمحبة، والحاج في الطواف متشبه بالملائكة المقربين الحافين حول العرش، الطائفين له، وليس المقصود هو طواف الجسم بالبيت فحسب، بل المقصود هو طواف القلب بذكر رب البيت، حتى لا يبتدئ الذكر إلا منه، ولا يختم إلا به، كما يبتدئ بالبيت ويختم به.
والطائفون في عملهم، كأنما يمثلون الدوران حول عقيدة التوحيد، والتمسك بها، وإخلاص العبودية لله، والاستجابة لندائه على لسان خليله إبراهيم عليه السلام.
كما يرمز إلى مشروعية الاقتداء بأبينا إبراهيم ورسولنا محمد عليهما الصلاة والسلام، وسائر أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين الذين لبوا دعوة الله في قوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29].
الحج والسعي:
إنه يضاهي تردد العبد بفناء الملك جائيًا وذاهبًا مرة بعد أخرى؛ إظهارًا للخلوص في الخدمة ورجاء للملاحظة بعين الرحمة.
وليتذكر عند تردده بين الصفا والمروة تردده بين كفتي الميزان في عرصات يوم القيامة، وليتذكر تردده بين الكفتين ناظرًا إلى الرجحان والنقصان مترددًا، وفي السعي شدة إلحاح المؤمن في استمطار رحمة الله عليه.
وفيه شعور بالضراعة بين يدي الله القوي العزيز، وفيه اقتداء بما فعلته السيدة هاجر، إذ كانت حركتها تلك حركة مباركة، وسنة قائمة إلى يوم القيامة يتعبد بها الناس ربهم ويأخذون منها وجوب السعي وراء الرزق والحث على العمل والبعد عن الكسل.
الحج والوقوف بعرفة:
يذكر الحاج به يوم القيامة واجتماع الأمم والعرض الأكبر على الله تعالى، وهو موقف يذكر بالموت الذي ينتقل به المرء إلى ربه بكفن شبيه بلباس الإحرام، كما أن فيه تجرد الإنسان في ذلك الوقت من ملاذ الدنيا، وشهوات النفس، وأن ذلك يدفع إلى الإقبال على الله تعالى، والاجتهاد في الأعمال الصالحة.
كما يركّز ذلك التجمع إلى التذكير بالبعث بعد الموت وما في يوم القيامة من أهوال، ليأخذ المسلم الاستعداد لها بأفعال الخير، وفيه من تذكير المسلمين الذين دفعوا إلى الخير، وفيه تذكير للمسلمين الذين دفعوا إلى الحج، بمشروعية الاتحاد والأخذ بالأسباب الداعية للوحدة والاجتماع.
وما هو إلا بذل المهج في الضراعة بقلوب مملوءة بالخشية، وأيدٍ مرفوعة بالرجاء، وألسنة مشغولة بالدعاء، وآمال صادقة في أرحم الراحمين.
الحج ورمي الجمار:
إنه رمز للاقتداء بسيدنا إبراهيم عليه السلام، ومحاربة الشيطان ووسوسته وتضليله.
كما يرمز إلى وجوب طاعة الله، وامتثال أوامره ليصبح المرء في عداد المحسنين، وهو عزم على الالتجاء إلى الله تعالى، ونبذ الأهواء، وهو رمز مقت واحتقار لعوامل البشر ونزعات عائد لصدق العزيمة في طرد الهوى المفسد للأفراد.
الحج وذبح الهدي:
إنه إراقة لدماء الرذيلة بيد اشتد ساعدها في بناء الفضيلة، إنه ذبح للنفس الأمارة بالسوء، وإخراجها من جسد الإنسان وإحلال روح الخير والفضيلة عليها.
وهو إظهار لنعمة الله، بتوسعته على المسلمين بأن يوسعوا على أنفسهم وعلى الفقراء والمساكين في أيام العيد، وفيه تذكير بفعل إبراهيم عليه السلام حينما عزم على قتل ابنه إسماعيل استجابة لأمر الله، ففداه الله بذبح عظيم، وأصبح الفداء بعدها سُنَّة متبعة تفعل كل عام؛ اقتداء بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي ساق الهدي من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة.
أثر القدوة في النفوس:
النظر إلى الذات القدوة أعظم تأثيرا وأفعل في النفس من السماع المجرد عنها، وأبقى لآثار الخير في ناظرها، وقد كان لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك الحظ الأوفر، لمجالستهم له صلى الله عليه وسلم ومشاهدتهم إياه وقربهم منه، فكانوا بذلك خير أمة أخرجت للناس.
إن رؤية الإنسان القدوة تذكر بالحق ومعالمه، وتورث معاني الخير من خلال سمته وهيبته، في نطقه وصمته وحركته وسكونه، في فرحه وترحه، قال الحكيم الترمذي عند شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (من ذكركم بالله رؤيته):”هم الذين عليهم من الله سماتٌ ظاهرة، قد علاهم بهاء القربة، ونور الجلال، وهيبة الكبرياء، وأنس الوقار، فإذا نظر الناظر إليهم ذكر الله تعالى لما يرى عليهم من آثار الملكوت”فتح القدير 467:3.
فضل طلب العلم
للعلم مقام عظيم في شريعتنا الغراء ، فأهل العلم هم ورثة الأنبياء ، وفضل العالم على العابد كما بين السماء والأرض، فعن قيس بن كثير قال : قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء وهو بدمشق فقال ما أقدمك يا أخي؟ فقال: حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أما جئت لحاجة ؟! قال: لا، قال: أما قدمت لتجارة ؟! قال: لا، قال : ما جئت إلا في طلب هذا الحديث، قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:”من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر”[ أخرجه الترمذي] .
والعلماء هم أمناء الله على خلقه، وهذا شرف للعلماء عظيم، ومحل لهم في الدين خطير؛ لحفظهم الشريعة من تحريف المبطلين، وتأويل الجاهلين، والرجوع والتعويل في أمر الدين عليهم، فقد أوجب الحق سبحانه سؤالهم عند الجهل، فقال تعالى : ((فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )) [النحل: 43]
وهم أطباء الناس على الحقيقة ، إذ مرض القلوب أكثر من الأبدان ، فالجهل داء ، والعلم شفاء هذه الأدواء ، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( فإنما شفاء العي السؤال) [ أخرجه أبو داود] .
أولاً ــ فضل العلم
1 ــ العلم مهذب للنفوس : سئل سفيان بن عيينة عن فضل العلم فقال: ألم تسمع قوله حين بدأ به ” فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك ” [ محمد:19 ] فأمر بالعمل بعد العلم .
2 ــ العلم نور البصيرة :
إنه نور يبصر به المرء حقائق الأمور ، وليس البصر بصر العين ، ولكن بصر القلوب ، قال تعالى : (( فإنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )) [الحج:46] ؛ ولذلك جعل الله الناس على قسمين : إمَّا عالم أو أعمى فقال الله تعالى : (( أ فمن يعلم أنَّما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى )) [ الرعد:19] .
3 ــ العلم يورث الخشية من الله تعالى :
قال الله تعالى : ” إنَّما يخشى الله من عباده العلماء ” [ فاطر : 28]، وقال تعالى : ” إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ” [ الإسراء : 107-109 ].
4 ــ طلب الاستزادة من العلم :
وقد أمرنا الله تعالى بالاستزادة من العلم وكفى بها من منقبة عظيمة للعلم ، فقال الله تعالى : ” وقل رب زدني علمًا ” [ طه: 114] ، قال القرطبي : فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم.
5 ــ العلم أفضل الجهاد :
إذ من الجهاد، الجهاد بالحجة والبيان، وهذا جهاد الأئمة من ورثة الأنبياء، وهو أعظم منفعة من الجهاد باليد واللسان، لشدة مؤنته، وكثرة العدو فيه، قال تعالى : ” ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرًا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادًا كبيرًا ” [ الفرقان : 51-52 ]
يقول ابن القيم:” فهذا جهاد لهم بالقرآن، وهو أكبر الجهادين، وهو جهاد المنافقين أيضًا، فإن المنافقين لم يكونوا يقاتلون المسلمين، بل كانوا معهم في الظاهر، وربما كانوا يقاتلون عدوهم معهم ، ومع هذا فقد قال تعالى: ” يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ” ومعلوم أنَّ جهاد المنافقين بالحجة والقرآن.
6 ــ التنافس في بذل العلم :
ولم يجعل الله التحاسد إلا في أمرين: بذل المال، وبذل العلم، وهذا لشرف الصنيعين، وحث النَّاس على التنافس في وجوه الخير، عن عبد الله بن مسعود قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها ))[ متفق عليه].
7 ــ العلم و الفقه في الدين أعظم منة :
ومن رزق فقهًا في الدين فذاك الموفق على الحقيقة ، فالفقه في الدين من أعظم المنن، عن ابن عباس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين )) [ أخرجه الترمذي (2645) وقال : حسن صحيح ].
8 ــ العلم مقدم على العبادة :
والعلم مقدم على العبادة ، فإنَّ فضلا في علم خير من فضل في عبادة ، ومن سار في درب العلم سهل عليه طريق الجنة، فقد أخرج البيهقي في سننه عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ الله أوحى إليَّ : أنه من سلك مسلكا في طلب العلم سهلت له طريق الجنة ومن سلبت كريمتيه أثبته عليهما الجنة وفضل في علم خير من فضل في عبادة و ملاك الدين الورع )) [ أخرجه البيهقي ، بسند صحيح ].
تراثنا .. بين الغلو والجفاء
حينما يتناول عامة الناس تراث أسلافنا المسلمين في فهم الوحيين، الكتاب والسنة، يقعون فريسة مستويين خطيرين ونمطين جامدين: نمط الجمود والتقديس ونمط الجحود والتبخيس
وكلا النمطين في اعتقادنا مجانب للصواب مخالفا لمبادئ البحث والتمحيص، فليس كل التراث يصلح ويُمنح، وليس كل قديم يرد ويُمنع
إن العقلاء يميزون في قضية التراث بين نوعين، ما كان ثابتا بالإجماع والدليل القطعي، وما كان اجتهادا بشريا تدخلت فيه منازع النظر الإنساني والاجتهاد البشري، فالأول حجة لنا لا جدال في وجوب التزامه مع حسن تنزيله، والثاني حجة على أصحابه يمكن مراجعته وتحيينه مع الأخذ بعين الاعتبار ظروف وروده وسياق زمانه ومكانه.
فنحن ليس مع التبني غير الواعي للتراث بلا فكر، ولا مع التجني على التراث بلا فكر ولا إيمان، ورحم الله الفقيه المالكي المبدع الإمام ابن عبد البر إذ يقول: ( ليس أضر على العلم من قولهم (ما ترك الأول للآخر) بل الصواب عندنا “كم ترك الأول للآخر”
وقال ابن مالك في أول كتاب التسهيل: (وإذا كانت العلوم منحا إلهية ومواهب اختصاصية فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما عسر عن بعض المتقدمين، نعوذ بالله من حسد يسد باب الإنصاف ويصد عن جميل الأوصاف).